محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (57)

ولما أمر الله تعالى بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم التي هي الثناء عليه وتمجيده وتعظيمه ، بين وعيد من لا يرعاها ، بأن يجرؤ على ضدها بقوله سبحانه :

{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا } أي ينالون فيه الهوان والخزي . والمقصود من الآية الرسول صلى الله عليه وسلم . وذكر الله تعالى إنما هو لتعظيمه ، ببيان قربه ، وكونه حبيبه ، حتى كأن ما يؤذيه يؤذيه . كما أن من يطيعه يطيع الله . وقد روى {[6236]} الطبري عن ابن عباس ؛ أنها نزلت في الذين طعنوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، حين اتخذ صفية بنت حي . وهذا في الحقيقة من أفراد ما تشمله الآية . بل لو قيل إنها عنى بها من خاض في مسألة زينب ، لكان أقرب ، لتقارب الآيات في الباب الواحد ، وتناسقها كسلسلة واحدة ، في تلك المسألة التي كان المقصود الأعظم من السورة بتمامها . كما لا يخفى ، على من تدبرها . وبالجملة ، فاللفظ عام في كل ما يصاب به صلى الله عليه وسلم من أنواع المكروه . فيدخل المقصود من التنزيل دخولا أوليا . وعلى هذا ، فالأذية على حقيقتها . وقيل المراد بأذية الله ورسوله ، ارتكاب ما لا يرضيانه ، مجازا مرسلا . لأنه سبب ، أو لازم له . وإن كان بالنسبة إلى غيره ، فإنه كان في العلاقة وذكر الله والرسول على ظاهره . ومن جوز إطلاق اللفظ الواحد على معنيين ، كاستعمال اللفظ المشترك في معنييه ، أو في حقيقته ومجازه ، فسر الأذية بالمعنيين باعتبار المعمولين . فتكون بالنسبة إليه تعالى ، ارتكاب ما يكره مجازا ، وإلى الرسول على ظاهره . فإن تعدد المعمول بمنزلة تكرر لفظ العامل . فيجيء فيه الجمع بين المعنيين .


[6236]:انظر الصفحة رقم 45 من الجزء الثاني والعشرين (طبعة الحلبي الثانية).