في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

10

وفي ختام القصة يخرج النص من إطار القصة المحدود ، إلى إطار التدبير الإلهي العام ، والتقدير المحكم الشامل ، والسنة الإلهية العامة ؛ ويكشف عن الحكمة المستخلصة من القصة كلها ، وما يكمن فيها وخلفها من تقدير وتدبير :

( ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه . إلا فريقاً من المؤمنين . وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك . وربك على كل شيء حفيظ ) . .

لقد سلك القوم هذا المسلك ، الذي انتهى إلى تلك النهاية ، لأن إبليس صدق عليهم ظنه في قدرته على غوايتهم ، فأغواهم ، ( فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين ) . . كما يقع عادة في الجماعات فلا تخلو من قلة مؤمنة تستعصي على الغواية ؛ وتثبت أن هنالك حقاً ثابتاً يعرفه من يطلبه ؛ ويمكن لكل من أراد أن يجده وأن يستمسك به ، حتى في أحلك الظروف

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

ثم ذكر أن قوم سبأ من الذين صدَّق عليهم إبليس ظنه ، حيث قال لربه : { فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } وهذا ظن من إبليس ، لا يقين ، لأنه لا يعلم الغيب ، ولم يأته خبر من اللّه ، أنه سيغويهم أجمعين ، إلا من استثنى ، فهؤلاء وأمثالهم ، ممن صدق عليه إبليس ظنه ، ودعاهم وأغواهم ، { فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ممن لم يكفر بنعمة اللّه ، فإنه لم يدخل تحت ظن إبليس .

ويحتمل أن قصة سبأ ، انتهت عند قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

ثم ابتدأ فقال : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ } أي : على جنس الناس ، فتكون الآية عامة في كل من اتبعه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

ولما كان المعنى : آيات في أن تخالفوا إبليس فلا تصدقوا ظنه في احتناكهم حيث قال :{ لئن أخرتن إلى يوم القيامة لاحتنكن ذريته إلا قليلاً }{[56757]}[ الإسراء : 62 ] قال مؤكداً لإنكار كل أحد أن يكون صدق ظن إبليس فيه : { ولقد } أي كان في ذلك{[56758]} آيات مانعة من اتباع الشيطان والحال أنه قد { صدق } . ولما كان في استغوائهم غالباً لهم في إركابهم{[56759]} ما تشهد عقولهم بأنه ضلال ، أشار إلى ذلك بأداة الاستعلاء فقال : { عليهم } أي على ذرية{[56760]} آدم عليه السلام .

ولما كان في سياق الإثبات{[56761]} لعظمة الله وما عنده من الخير وما له من التصرف التام الداعي ذلك إلى الإقبال إليه وقصر الهمم عليه ، عبر بقوله تعالى { إبليس } الذي هو من البلس{[56762]} وهو ما لا خير عنده - والإبلاس - وهو اليأس من كل خير - ليكون ذلك أعظم في التبكيت والتوبيخ { ظنه } أي في قوله :

{ لأحتنكن ذريته إلا قليلاً }[ الإسراء : 62 ] { ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك }[ الحجر : 39 ]

{ ولا تجد أكثرهم شاكرين }[ الأعراف : 17 ] فكأنه لما قال ذلك على سبيل الظن تقاضاه ظنه الصدق فصدقه{[56763]} في إعمال الحيلة حتى كان ذلك الظن - هذا على قراءة الجماعة بالتخفيف ، وأما على قراءة الكوفيين بالتشديد{[56764]} فالمعنى أنه جعل ظنه الذي كان يمكن تكذيبه فيه قبل التحقق صادقاً ، بحيث لا يمكن أحداً تكذيبه فيه ، ولذلك سبب {[56765]}سبحانه عنه{[56766]} قوله : { فاتبعوه } أي بغاية الجهد بميل الطبع والاستلذاذ الموجب للنزوع والترامي بعضهم في الكفران وبعضهم في مطلق العصيان .

ولما كان المحدث عنهم جميع الناس ، عرف به الاستثناء المعرف لقلة{[56767]} الناجين فقال : { إلا فريقاً } أي{[56768]} ناساً لهم القدرة على تفريق كلمة أهل الكفر وفض جمعهم وإن كانوا بالنسبة إليهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود { من المؤمنين * } أي العريقين في الإيمان ، فكانوا خالصين لله مخلصين في عبادته ، وأما غيرهم فمالوا معه ، وكان منهم المقل ومنهم المكثر بالهفوات والزلات{[56769]} الصغائر والكبائر .


[56757]:سورة 17 آية 62.
[56758]:زيد في الأصل: آية و، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56759]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أركانهم.
[56760]:زيد في الأصل: بني، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56761]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الآيات.
[56762]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: اللبس.
[56763]:زيد من ظ وم ومد.
[56764]:راجع نثر المرجان 5/469.
[56765]:من م ومد، وفي الأصل وظ: عنه سبحانه.
[56766]:من م ومد، وفي الأصل وظ: عنه سبحانه.
[56767]:من م ومد، وفي الأصل وظ: المفرغ بقلة.
[56768]:زيد من ظ وم ومد.
[56769]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.