الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

قوله : { صَدَّقَ } : قرأ الكوفيون " صَدَّق " بتشديد الدال . والباقون بتخفيفها . فأمَّا الأولى ف " ظنَّه " مفعولٌ به . والمعنى : أنَّ ظنَّ إبليس ذهب إلى شيءٍ فوافق ، فصدَّق هو ظنَّه على المجاز والاتساعِ . ومثلُه : كذَّبْتُ ظني ونفسي وصَدَّقْتُهما ، وصَدَّقاني وكَذَّباني . وهو مجازٌ سائغ . أي : ظَنَّ شيئاً فوقع . وأصلُه : مِنْ قولِه : " ولأُغْوِيَنَّهم " و " لأُضِلَّنَّهم " وغيرِ ذلك .

وأمَّا الثانيةُ فانتصب " ظنَّه " على ما تقدَّم من المفعول به كقولهم : أَصَبْتُ ظني ، وأَخْطَأْت ظني . أو على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي : يظنُّ ظنَّه ، أو على إسقاطِ الخافضِ أي : في ظنه . وزيدُ بن علي والزهريُّ برفعِ " ظَنُّه " ونصب " إبليس " كقول الشاعر :

3738 فإنْ يكُ ظَنِّي صادِقاً وهو صادِقي *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جعل ظنَّه صادقاً فيما ظَنَّه مجازاً واتساعاً . ورُوي عن أبي عمروٍ برفعِهما وهي واضحةٌ . جعل " ظنَّه " بدلَ اشتمال من إبليس .

والظاهر أنَّ الضميرَ في " عليهم " عائدٌ على أهل سبأ ، و " إلاَّ فريقاً " استثناءٌ من فاعل " اتبعوه " و " من المؤمنين " صفةُ " فريقاً " . و " مِنْ " للبيان لا للتبعيضِ لئلا يَفْسُدَ/ المعنى ؛ إذ يلزمُ أَنْ يكونَ بعضُ مَنْ آمن اتَّبع إبليسَ .