السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

وقرأ قوله تعالى : { ولقد صدّق عليهم إبليس } أي : الذي هو من البلس وهو ما لا خير عنده ، أو الإبلاس وهو اليأس من كل خير ليكون ذلك أبلغ في التبكيت والتوبيخ { ظنه } قرأه الكوفيون بتشديد الدال بعد الصاد أي : ظن فيهم ظناً حيث قال : { فبعزتك لأغوينّهم أجمعين ( 82 ) إلا عبادك } ( ص : 82 ) { ولا تجد أكثرهم شاكرين } ( الأعراف ، 17 ) فصدق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه ، والباقون بالتخفيف أي : صدّق عليهم في ظنه بهم أي : على أهل سبأ كما قاله أكثر المفسرين حين رأى انهماكهم في الشهوات أو الناس كلهم كما قاله مجاهد أي : حين رأى أباهم آدم ضعيف العزم ، أو ما ركب فيهم من الشهوة والغضب أو سمع من الملائكة { أتجعل فيها من يفسد فيها } ( البقرة : 30 ) فقال : لأضلنهم ولأغوينهم ، أو الكفار ومنهم سبأ كما قاله الجلال المحلي { فاتبعوه } أي : بغاية الجهد بميل الطبع وقوله { إلا فريقاً من المؤمنين } استثناء متصل على قول مجاهد ومنقطع على قول غيره ، وقال السدي عن ابن عباس رضي الله عنه : يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين وتقليلهم بالإضافة إلى الكفار ، أو إلا فريقاً من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون قال ابن قتيبة : إن إبليس لعنه الله تعالى لما سأل النظرة فأنظره الله تعالى وقال { لأغوينّهم } ( الحجر : 39 ) و{ لأضلنّهم } ( النساء : 119 ) لم يكن مستيقناً وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم ، وإنما قاله ظناً ، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم .