وما كان لإبليس من سلطان قاهر عليهم لا يملكون رفعه . فليس هنالك قهر لهم منه ولا سيطرة عليهم له . إنما هو تسليطه عليهم ليثبت على الحق من يثبت ، وليزيغ منهم من لا يبتغي الحق ويتحراه . وليظهر في عالم الواقع ( من يؤمن بالآخرة )فيعصمه إيمانه من الانحراف ، ( ممن هو منها في شك ) . . فهو يتأرجح أو يستجيب للغواية . بلا عاصم من رقابة لله ولا تطلع لليوم الآخر .
والله يعلم ما يقع قبل ظهوره للناس . ولكنه سبحانه يرتب الجزاء على ظهوره ووقوعه فعلاً في دنيا الناس .
وفي هذا المجال الواسع المفتوح . مجال تقدير الله وتدبيره للأمور والأحداث . ومجال غواية إبليس للناس ، بلا سلطان قاهر عليهم ، إلا تسليطه ليظهر المكنون في علم الله من المصائر والنتائج . . في هذا المجال الواسع تتصل قصة سبأ بقصة كل قوم ، في كل مكان وفي كل زمان . ويتسع مجال النص القرآني ومجال هذا التعقيب ، فلا يعود قاصراً على قصة سبأ ، إنما يصلح تقريراً لحال البشر أجمعين . فهي قصة الغواية والهداية وملابساتهما وأسبابهما وغاياتهما ونتائجهما في كل حال .
فلا يند شيء ولا يغيب ، ولا يهمل شيء ولا يضيع . .
وهكذا تنتهي الجولة الثانية في السورة بالحديث عن الآخرة كما انتهت الجولة الأولى . وبالتركيز على علم الله وحفظه . وهما الموضوعان اللذان يشتد عليهما التركيز في السورة والتوكيد .
ثم قال تعالى : { وَمَا كَانَ لَهُ } أي : لإبليس { عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ } أي : تسلط وقهر ، وقسر على ما يريده منهم ، ولكن حكمة اللّه تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني آدم .
{ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ } أي : ليقوم سوق الامتحان ، ويعلم به الصادق من الكاذب ، ويعرف من كان إيمانه صحيحا ، يثبت عند الامتحان والاختبار ، وإلقاء الشبه الشيطانية ، ممن إيمانه غير ثابت ، يتزلزل بأدنى شبهة ، ويزول بأقل داع يدعوه إلى ضده ، فاللّه تعالى جعله امتحانا ، يمتحن به عباده ، ويظهر الخبيث من الطيب .
{ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } يحفظ العباد ، ويحفظ عليهم أعمالهم ، ويحفظ تعالى جزاءها ، فيوفيهم إياها ، كاملة موفرة .
ولما كان ذلك ربما أوهم أن لإبليس أمراً بنفسه ، نفاه بقوله : { وما } أي والحال أنه ما{[56770]} { كان } أصلاً { له عليهم } أي الذين اتبعوه ولا غيرهم ، وأعرق فيما هو الحق من النفي بقوله : { من سلطان } أي تسلط قاهر لشيء من الأشياء بوجه من الوجوه لأنه مثلهم في كونه عبداً عاجزاً مقهوراً ، ذليلاً خائفاً مدحوراً ، قال القشيري : هو مسلط ، ولو أمكنه أن يضل غيره أمكنه أن يمسك على الهداية نفسه { إلا } أي لكن نحن سلطناه عليهم بسلطاننا وملكناه قيادهم بقهرنا ؛ {[56771]}وعبر عن التمييز{[56772]} الذي هو سبب العلم بالعلم فقال : { لنعلم } أي بما لنا من العظمة { من يؤمن } أي يوجد الإيمان لله { بالآخرة } أي{[56773]} ليتعلق علمنا بذلك في عالم{[56774]} الشهادة في حال تميزه تعلقاً تقوم به الحجة في مجاري عادات البشر كما كان متعلقاً به في عالم الغيب { ممن هو منها{[56775]} } أي من{[56776]} الآخرة { في شك } فهو لا يتجدد له بها إيمان أصلاً ، لأن الشك ظرف له محيط به ، وإنما استعار " إلا " موضع " لكن " إشارة إلى أنه مكنه تمكيناً تاماً صار به كمن له سلطان حقيقي .
ولما كان هذا ربما أوقع في وهم نقصاً في العلم {[56777]}أو في{[56778]} القدرة ، قال مشيراً إلى أنه سبحانه يسره صلى الله عليه وسلم بتكثير هذا الفريق المخلص وجعل أكثره من أمته فقال : { وربك } أي المحسن إليك بإخزاء الشيطان بنبوتك وإخسائه عن أمتك { على كل شيء } من المكلفين وغيرهم { حفيظ * } أي حافظ أتم حفظ محيط به مدبر له على وجه العلو بعلمه الكامل وقدرته الشاملة ، فلا يفعل الشيطان{[56779]} ولا غيره شيئاً إلا بعلمه وإذنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.