فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

{ وَلَقَدْ صَدقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ } قرئ بتخفيف صدق ونصب ظنه . قال الزجاج : وهو على المصدر أي صدق وظن ظنه أو صدق في ظنه أو على الظرفية ، والمعنى أنه ظن بهم أنه إذا أغواهم اتبعوه فوجدهم كذلك ، وقرئ : صدق بالتشديد وظنه بالنصب على أنه مفعول به ، وقال أبو علي الفارسي : صدق الظن الذي ظنه قال مجاهد : ظن ظنا فصدق ظنه فكان كما ظن وقرئ صدق بالتخفيف ، وإبليس بالنصب وظنه بالرفع وقد أجاز هذه القراءة الفراء ، وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل صدق وإبليس مفعوله ، والمعنى أن إبليس سول له ظنه شيئا فيهم فصدق ظنه فكأنه قال : لقد صدق عليهم ظن إبليس ، قيل : وهذه الآية خاصة بأهل سبأ والمعنى أنهم غيروا وبدلوا بعد أن كانوا قد آمنوا بما جاءت به رسلهم .

وقيل هي عامة أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله قاله مجاهد والحسن . قال الكلبي : إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه ، وإن أضلهم أطاعوه فصدق ظنه فاتبعوه . قال الحسن : ما ضربهم بسوط ولا بعصى وإنما ظن ظنا فكان كمن ظن بوسوسته ، وعن ابن عباس في الآية قال : قال إبليس : إن آدم خلق من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون خلقا ضعيفا وإني خلقت من نار ، والنار تحرق كل شيء لأحتنكن ذريته إلا قليلا ، قال : فصدق ظنه عليهم .

وانتصاب { إِلا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } على الاستثناء ، وفيه وجهان أحدهما أن يراد به بعض المؤمنين لأن كثيرا من المؤمنين يذنب وينقاد لإبليس في بعض المعاصي ولم يسلم منه إلا فريق وهم الذين قال الله فيهم { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ، وقيل : المراد به المؤمنون كلهم لأنهم لم يتبعوه في أصل الدين على أن تكون من بيانية .