فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ صَدَّقَ عَلَيۡهِمۡ إِبۡلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (20)

{ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } قرأ الجمهور : { صدق } بالتخفيف ، ورفع { إبليس } ، ونصب { ظنه } . قال الزجاج : وهو على المصدر ، أي صدق عليهم ظناً ظنه ، أو صدق في ظنه ، أو على الظرف . والمعنى : أنه ظنّ بهم : أنه إذا أغواهم اتبعوه ، فوجدهم كذلك ، ويجوز : أن يكون منتصباً على المفعولية ، أو بإسقاط الخافض . وقرأ حمزة والكسائي ، ويحيى بن وثاب ، والأعمش ، وعاصم : { صدق } بالتشديد ، و{ ظنه } بالنصب على أنه مفعول به .

قال أبو عليّ الفارسي : أي صدّق الظنّ الذي ظنه . قال مجاهد : ظنّ ظناً ، فصدّق ظنه ، فكان كما ظنّ ، وقرأ أبو جعفر ، وأبو الجهجاء ، والزّهري ، وزيد بن عليّ : { صدق } بالتخفيف ، و { إبليس } بالنصب { وظنه } بالرفع ، قال أبو حاتم : لا وجه لهذه القراءة عندي ، وقد أجاز هذه القراءة الفرّاء ، وذكرها الزجاج ، وجعل الظنّ فاعل صدّق ، وإبليس مفعوله . والمعنى : أن إبليس سوّل له ظنه شيئاً فيهم ، فصدّق ظنه ، فكأنه قال : ولقد صدّق عليهم ظن إبليس . وروي عن أبي عمرو : أنه قرأ برفعهما مع تخفيف صدق على أن يكون ظنه بدل اشتمال من إبليس . قيل : وهذه الآية خاصة بأهل سبأ . والمعنى : أنهم غيروا وبدّلوا بعد أن كانوا قد آمنوا بما جاءت به رسلهم . وقيل : هي عامة ، أي صدّق إبليس ظنه على الناس كلهم إلاّ من أطاع الله . قاله مجاهد والحسن . قال الكلبي : إنه ظنّ أنه إن أغواهم أجابوه ، وإن أضلهم أطاعوه ، فصدّق ظنه { فاتبعوه } قال الحسن : ما ضربهم بصوت ، ولا بعصي ، وإنما ظنّ ظناً ، فكان كما ظنّ بوسوسته ، وانتصاب { إِلاَّ فَرِيقاً مّنَ المؤمنين } على الاستثناء ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يراد به بعض المؤمنين ، لأن كثيراً من المؤمنين يذنب ، وينقاد لإبليس في بعض المعاصي ، ولم يسلم منه إلاّ فريق ، وهم الذين قال فيهم { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان } [ الحجر : 42 ] . وقيل المراد ب{ فريقاً من المؤمنين } المؤمنون كلهم على أن تكون { من } بيانية .

/خ21