في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَطَمَسۡنَا عَلَىٰٓ أَعۡيُنِهِمۡ فَٱسۡتَبَقُواْ ٱلصِّرَٰطَ فَأَنَّىٰ يُبۡصِرُونَ} (66)

30

كذلك انتهى المشهد وألسنتهم معقودة وأيديهم تتكلم ، وأرجلهم تشهد ، على غير ما كانوا يعهدون من أمرهم وعلى غير ما كانوا ينتظرون . ولو شاء الله لفعل بهم غير ذلك ، ولأجرى عليهم من البلاء ما يريد . . ويعرض هنا نوعين من هذا البلاء لو شاء الله لأخذ بهما من يشاء :

( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط ، فأنى يبصرون ؛ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون ) . .

وهما مشهدان فيهما من البلاء قدر ما فيهما من السخرية والاستهزاء . السخرية بالمكذبين والاستهزاء بالمستهزئين ، الذين كانوا يقولون : ( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? ) . .

فهم في المشهد الأول عميان مطموسون . ثم هم مع هذا العمى يستبقون الصراط ويتزاحمون على العبور ، ويتخبطون تخبط العميان حين يتسابقون ! ويتساقطون تساقط العميان حين يسارعون متنافسين ! ( فأنى يبصرون )

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَطَمَسۡنَا عَلَىٰٓ أَعۡيُنِهِمۡ فَٱسۡتَبَقُواْ ٱلصِّرَٰطَ فَأَنَّىٰ يُبۡصِرُونَ} (66)

{ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ } بأن نُذْهِبَ أبصارهم ، كما طمسنا على نطقهم . { فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ } أي : فبادروا إليه ، لأنه الطريق إلى الوصول إلى الجنة ، { فَأَنَّى يُبْصِرُونَ } وقد طمست أبصارهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَطَمَسۡنَا عَلَىٰٓ أَعۡيُنِهِمۡ فَٱسۡتَبَقُواْ ٱلصِّرَٰطَ فَأَنَّىٰ يُبۡصِرُونَ} (66)

ولما أتم بضرب المثل وما بعده الدلالة على مضمون { إنما تنذر من اتبع الذكر } وما عللت به من إحياء الموتى ، ودل على ذلك بما تركه كالشمس ليس فيه لبس ، وزاد من بحور الفوائد وجميل العوائد ما ملأ الأكوان من موجبات الإيمان ، وذكر ما في فريقي المتبعين والممتنعين يوم البعث ، وختم بالحتم على الأفواه بعد البعث ، أتبعه آية الختم بالطمس والمسخ قبل الموت تهديداً عطفاً على ما رجع إليه المعنى مما قبل أول ذلك الخطاب من قوله { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً } الآية ، دفعاً لما ربما وقع في وهم أحد أن القدرة لا تتوجه إلى غير الطمس في المعاني بضرب السد وما في معناه ، فأخبر أنه كما أعمى البصائر قادر على إذهاب الأبصار ، فقال مؤكدا لما لهم من الإنكار أو الأفعال التي هي فعل المنكر : { ولو } وعبر بالمضارع في قوله : { نشآء } ليتوقع في كل حين ، فيكون أبلغ في التهديد { لطمسنا } وقصر الفعل إشارة إلى أن المعنى : لو نريد لأوقعنا الطمس الذي جعلناه على بصائرهم { على أعينهم } فأذهبنا عينها وأثرها ، وجعلناها مساوية للوجه بحيث تصير كأنها لم تكن أصلاً ، وقد تقدم في النساء نقل معنى هذا عن ابن هشام .

ولما كان الجالس مع شخص في مجلس التنازع وهو يهدده إن لم يرجع عن غيه بقارعة يصيبه بها يبادر الهرب إذا فاجأته منه مصيبة كبيرة خوفاً من غيرها جرياً مع الطبع لما ناله من الدهش ، ومسه من عظيم الانزعاج والوجل ، كما اتفق لقوم لوط عليه السلام لما مسح جبريل عليه السلام أعينهم فأغشاها حين بادروا الباب هراباً يقولون : عند لوط أسحر الناس ، سبب عن ذلك قوله : { فاستبقوا } أي كلفوا أنفسهم ذلك وأوجدوه . ولما كان المقصود بيان إسراعهم في الهرب ، عدى الفعل مضمناً له معنى { ابتدروا } كما قال تعالى :

{ واستبقوا الخيرات }[ البقرة : 148 ] فقال : { الصراط } أي الطريق الواضح الذي ألفوه واعتادوه ، ولهم به غاية المعرفة . ولما كان الأعمى لا يمكنه في مثل هذه الحالة المشي بلا قائد فضلاً عن المسابقة ، سبب عن ذلك قوله منكراً : { فأنى } أي كيف ومن أين { يبصرون * } أي فلم يهتدوا للصراط لعدم إبصارهم بل تصادموا فتساقطوا في المهالك وتهافتوا .