اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَطَمَسۡنَا عَلَىٰٓ أَعۡيُنِهِمۡ فَٱسۡتَبَقُواْ ٱلصِّرَٰطَ فَأَنَّىٰ يُبۡصِرُونَ} (66)

قوله : { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ } أي أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شِقٌّ وهو معنى الطَّمْس{[46553]} ، كقوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } [ البقرة : 20 ] يقول : إذا{[46554]} أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة{[46555]} .

قوله : { فاستبقوا } عطف على «لَطَمَسْنَا » وهذا على سبيل الفَرْض والتقدير{[46556]} . وقرأ عيسى فَاسْتَبِقُوا أمراً{[46557]} . وهو على إضمار القول أي فيُقَالُ لَهُمْ اسْتَبقُوا{[46558]} والصِّراط ظرف مكان مختص عند الجمهور فلذلك تأولوا وصول الفعل إليه إما بأنه مفعول ( به ){[46559]} مجازاً جعله مستبقاً لا مُسْتَبَقاً إليه ويضمن استبقوا معنى بادروا وإما على حذف الجار أي إلى الصراط{[46560]} . وقال الزمخشري : منصوب على الظرف{[46561]} ، وهو ماش على قول ابن الطراوة{[46562]} فإن الصراطَ والطريق ونحوهما ليست عنده مختصة{[46563]} إلا أن سيبويه على أن قوله :

4184- لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ . . . فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ{[46564]}

ضرورة لنصبه الطريق .

وقرأ أبو بكر مَكَانَاتِهِمْ{[46565]} جمعاً ، وتقدم في{[46566]} الأنعام . والعامة على «مُضِيًّا » بضم الميم وهو مصدر على فُعُولٍ أصله مُضُويٌ{[46567]} فأدغم وكُسِرَ ما قبل الياء ليصبح نحو : «لُقِيًّا »{[46568]} . وقرأ أبو حيوة ورُويَتْ عن الكِسائيِّ مِضِيًّا ( أي ){[46569]} بكسر الميم إتباعاً لحركة العين{[46570]} نحو { عِتِيّاً } و { صِلِيّاً } [ مريم : 69 - 70 ] وقرئ بفتحها وهو من المصارد التي وردت على فعِيلٍ كالرِّسيم والزَّمِيلِ{[46571]} .

فصل{[46572]}

المعنى كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة فاستبقوا الصراط فتبادروا إلى الطريق «فَأَنَّى يُبْصِرُونَ » كيف يبصرون وقد أعمينا أعينهم يعني لو نشاء لأضللناهم عن الهُدَى وتركناهم عُمْياً يترددون فكيف يبصرون الطريق حنيئذ ؟ هذا قول الحسن ، وقتادة ، والسدي . وقال ابن عباس ومقاتل وعطاء وقتادة : معناه لو نشاء لَفَقَأنَا أعين ضلالتهم فأعميناهم عن غيهم وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم فأنى يبصرون ولم أفعل ذلك بهم .


[46553]:غريب القرآن 367 واللسان طمس والقرطبي 15/47.
[46554]:في البغوي كما.
[46555]:البغوي 6/14.
[46556]:البحر المحيط 7/344 والدر المصون 4/531.
[46557]:من الشواذ ذكرها البحر والدر المرجعان السابقان ومختصر ابن خالويه 126.
[46558]:البحر 7/344 والدر المصون 4/531.
[46559]:سقط من ب.
[46560]:ذكر هذه الأقوال الكشاف 3/328 والبحر 7/344 والسمين في الدر المصون 4/531 وذكر القول الأول النحاس في الإعراب 4/403.
[46561]:الكشاف 3/328.
[46562]:أبو الحسن سليمان بن محمد سمع من الأعلم الكتاب كانت له آراء وانفرد بمسائل مخالفة عن العلماء انظر: نشأة النحو للمرحوم الشيخ الطنطاوي 196.
[46563]:نقلها عنه أبو حيان في البحر 7/344.
[46564]:من تمام الكامل وهو لساعدة بن جؤية ويروى "لذ" بدل لدن واللدن اللين الناعم والعسلان: سير سريع في اضطراب وهو يشبه نفسه في السرعة والمهارة في استخدام الرمح بسير الثعلب والشاهد: "عسل الطريق" فإنه منصوب على نزع الخافض لا على الظرف عند سيبويه. قال سيبويه: "وقد قال بعضهم ذهبت الشام يشبهه بالمبهم. وهو شاذ لأنه ليس في مذهبه دليل على الشام". قال: "ومثل ذلك قول ساعدة" وأنشد البيت انظر: الكتاب 1/35 و 36 و 214 والهذليين 1/190، والكامل 1/369، واللسان عسل والبحر 7/344 والخصائص 3/319 والتصريح 1/312 والمغني 11 و 525 و 576، والهمع 1/200 و 2/81 والأشموني 2/91 و 97 والشجري 1/42 و 2/248 وشرح شواهد المغني للسيوطي 17 و 885.
[46565]:من المتواتر وهي رواية أبي بكر عن عاصم. انظر: إتحاف فضلاء البشر 366 والسبعة 542 والدر المصون 4/532 والكشاف 3/329. والمكانة والمكان بمعنى.
[46566]:يقصد قوله: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون} الآية 235 منها. فقرأ أبو بكر عن عاصم مكاناتكم وكذلك قرأ الحسن جمعا. وقال هناك: إن الميم من "مكانة" إما أن تكون أصلية وإما أن تكون زائدة أصلية في مكن يمكن وزائدة من الكون. انظر: اللباب 3/217.
[46567]:فقد اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون الأصلي فقلبت الواو ياء ثم أدغمتا في بعضهما.
[46568]:كانت لقوي.
[46569]:زيادة لا معنى لها من أ.
[46570]:أوردها أبو حيان في البحر 7/344 والسمين في الدر 4/532.
[46571]:المرجعان السابقان فتكون "مضيا" فيها لغات وقراءات ثلاث مُضيا وَمضيا ومِضيا.
[46572]:انظر هذا الفصل في معالم التنزيل للبغوي 6/14.