في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

وكذلك الآية التالية :

( وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ) . .

أي متجمعين متكتلين عليه ، حين قام يصلي ويدعو ربه . والصلاة معناها في الأصل الدعاء .

فإذا كانت من مقولات الجن ، فهي حكاية منهم عن مشركي العرب ، الذين كانوا يتجمعون فئات حول رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو يصلي أو وهو يتلو القرآن كما قال في " سورة المعارج " : فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ? . . يتسمعون في دهش ولا يستجيبون . أو وهم يتجمعون لإيقاع الأذى به ، ثم يعصمه الله منهم كما وقع ذلك مرارا . . ويكون قول الجن هذا لقومهم للتعجيب من أمر هؤلاء المشركين !

وإذا كانت من أخبار الله ابتداء ، فقد تكون حكاية عن حال هذا النفر من الجن ، حين سمعوا القرآن . . العجب . . فأخذوا ودهشوا ، وتكأكأوا على رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بعضهم لصق بعض ، كما تكون لبدة الصوف المنسوق شعرها ، بعضه لصق بعض ! . . ولعل هذا هو الأقرب لمدلول الآية لاتساقه مع العجب والدهشة والارتياع والوهلة البادية في مقالة الجن كلها ! والله أعلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } أي : يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا ، أي : متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم رجع إلى مؤمني الجن فقال: {وأنه لما قام عبد الله} يعني النبي صلى الله عليه وسلم {يدعوه} يعني يعبده في بطن نخلة بين مكة والطائف، {كادوا يكونون عليه لبدا} يقول: كادوا أن يرتكبوه حرصا على حفظ ما سمعوا من القرآن، تعجبا وهم الجن.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول: «لا إله إلا الله»" كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا "يقول: كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض.

واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بقوله: "كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا" فقال بعضهم: عني بذلك الجنّ أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن.

وقال آخرون: بل هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وأتمامهم به في الركوع والسجود.

عن ابن عباس، قال: قول الجنّ لقومهم: "لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا" قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قال: عجبوا من طواعية أصحابه له قال: فقال لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا.

وقال آخرون: بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجنّ تظاهروا عليه، ليُبطلوا الحقّ الذي جاءهم به، فأبى الله إلا إتمامه.

وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله: وأنّه لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ عقيب قوله: "وأنّ المَساجِدَ لِلّهِ" وذلك من خبر الله فكذلك قوله: "وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ" وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله: "فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أحَدا" فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة.

عن سعيد بن جُبير في قوله: "كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا": تراكبوا عليه...

بعضهم على بعض.

عن ابن عباس، قوله "كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا": أعوانا.

عن مجاهد، قوله: "كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا": جميعا.

واللبد: الشيء الذي بعضه فوق بعض.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

أي النبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإيرادُه بلفظ العبدِ للإشعارِ بَما هُو المُقتضِي لقيامِه وعبادتِه للتواضعِ، لأنَّه واقعٌ موقعَ كلامِه عن نفسِه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والكلام على التشبيه، أي كاد المشركون يكونون مثل اللَبد متراصين مقتربين منه يستمعون قراءته ودعوته إلى توحيد الله. وهو التفاف غيظ وغضب وهمٍ بالأذى كما يقال: تأَلبوا عليه. قال {إنما أدعو ربّي ولا أشرك به أحداً}، فهم لما لم يعتادوا دعاء غير الأصنام تجمعوا لهذا الحدث العظيم عليهم وهو دعاء محمد صلى الله عليه وسلم لله تعالى.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

{ وأنه لما قام عبد الله يدعوه } أي النبي صلى الله عليه وسلم لما قام ببطن نخلة يدعو الله { كادوا } { يكونون عليه } كاد الجن يتراكبون ويزدحمون حرصا على ما يسمعون ورغبة فيه

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

قوله تعالى : " وأنه لما قام عبد الله يدعوه " يجوز الفتح ، أي أوحى الله إليه أنه . ويجوز الكسر على الاستئناف . و " عبد الله " هنا محمد صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن ، حسب ما تقدم أول السورة . " يدعوه " أي يعبده . وقال ابن جريج : " يدعوه " أي قام إليهم داعيا إلى الله تعالى . " كادوا يكونون عليه لبدا " قال الزبير بن العوام : هم الجن حين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم . أي كاد يركب بعضهم بعضا ازدحاما ويسقطون ، حرصا على سماع القرآن . وقيل : كادوا يركبونه حرصا ، قاله الضحاك . ابن عباس : رغبة في سماع الذكر . وروى برد عن مكحول : أن الجن بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة وكانوا سبعين ألفا ، وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر . وعن ابن عباس أيضا : إن هذا من قول الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وائتمامهم به في الركوع والسجود . وقيل : المعنى كاد المشركون يركبون بعضهم بعضا ، حردا على النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يعني " لما قام عبد الله " محمد بالدعوة تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، وأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره . واختار الطبري أن يكون المعنى : كادت العرب يجتمعون على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتظاهرون على إطفاء النور الذي جاء به . وقال مجاهد : قوله " لبدا " جماعات وهو من تلبد الشيء على الشيء أي تجمع ؛ ومنه اللبد الذي يفرش لتراكم صوفه{[15475]} ، وكل شيء ألصقته إلصاقا شديدا فقد لبدته ، وجمع اللبدة لبد مثل قربة وقرب . ويقال للشعر الذي على ظهر الأسد لبدة وجمعها لبد ؛ قال زهير :

لدى أسدٍ شاكِي السِّلاَح مُقَذَّفٍ *** له لِبَدٌ أظفاره لم تقلَّم

ويقال للجراد الكثير : لبد وفيه أربع لغات وقراءات ، فتح الباء وكسر اللام ، وهي قراءة العامة . وضم اللام وفتح الباء ، وهي قراءة مجاهد وابن محيصن وهشام عن أهل الشام ، واحدتها لبدة . وبضم اللام والباء ، وهي قراءة أبي حيوة ومحمد بن السميقع وأبي الأشهب العقيلي والجحدري واحدها لبد مثل سقف وسقف ورهن ورهن . وبضم اللام وشد الباء وفتحها ، وهي قراءة الحسن وأبي العالية والأعرج والجحدري أيضا{[15476]} واحدها لابد ؛ مثل راكع وركع ، وساجد وسجد . وقيل : اللبد بضم اللام وفتح الباء الشيء الدائم ، ومنه قيل لنسر لقمان لبد لدوامه وبقائه ، قال النابغة :

أخنى عليها الذي أخنى على لبد{[15477]}

القشيري : وقرئ " لبدا " بضم اللام والباء ، وهو جمع لبيد ، وهو الجولق{[15478]} الصغير . وفي الصحاح : [ وقوله تعالى ] " أهلكت مالا لبدا " أي جما{[15479]} .

ويقال أيضا : الناس لبد أي مجتمعون ، واللبد أيضا الذي لا يسافر ولا يبرح [ منزله ]{[15480]} . قال الشاعر{[15481]} :

من امرئٍ ذي سَمَاحٍ لا تزال لهُ *** بَزْلاَءُ يَعْيَا بها الجَثَّامَة اللبَدُ

ويروى : اللبد . قال أبو عبيد : وهو أشبه .

والبزلاء : الرأي الجيد . وفلان نهاض ببزلاء{[15482]} : إذا كان ممن يقوم بالأمور العظام ، قال الشاعر :

إني إذا شَغَلَتْ قوماً فروجَهُمُ *** رَحْبُ المسالك نهَّاضٌ بِبَزْلاَءِ ]{[15483]}

ولبد : آخر نسور لقمان ، وهو ينصرف ؛ لأنه ليس بمعدول . وتزعم العرب أن لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها ، فلما أهلكوا خير لقمان بين بقاء سبع بعرات{[15484]} سمر ، من أظب عفر ، في جبل وعر ، لا يمسها القطر ، أو بقاء سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر ، فاختار النسور ، وكان آخر نسوره يسمى لبدا ، وقد ذكرته الشعراء ، قال النابغة :

أضحت خلاءً وأمسى أهلُها احتَمَلُوا *** أخْنَى عليْهَا الذي أخنى على لُبَدِ

واللبيد : الجوالق الصغير ، يقال : ألبدت القربة جعلتها في لبيد . ولبيد : اسم شاعر من بني عامر .


[15475]:في أ، ح: "صفوفه". وفي ط "صفه".
[15476]:كلمة "أيضا" ساقطة من أ، ز، ح، ط.
[15477]:هذا عجز البيت، وسيأتي بتمامه.
[15478]:في الأصول: (الجولق)، تحريف.
[15479]:في أ، ح، ل: "جمعا".
[15480]:الزيادة من اللسان مادة "لبد".
[15481]:هو الراعي: والبزلاء أيضا الحاجة التي أحكم أمرها، والجثامة الذي لا يبرح من محله وبلدته. وصدره كما في اللسان والتاج: * من أمر ذي بدوات لا تزال له *
[15482]:ما بين المربعين ساقط من أ، ح، و، ط.
[15483]:ما بين المربعين ساقط من أ، ح، و، ط.
[15484]:قال شارح القاموس: هو بالعين المهملة، ويوجد في بعض نسخ الصحاح "بقرات" بالقاف. والذي في نسخ القاموس هو الأشبه، إذ لا تتولد البقر من الظباء.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

ولما كان من يدعو سيده وينقطع إليه عاملاً للواجب عليه اللائق بأمثاله لا ينكر عليه ولا يعجب منه{[69185]} ، إنما يعجب ممن دعا غير سيده أو مال إليه أدنى ميل فيسأل عن سببه ، قال معجباً من القاسطين من الجن والإنس : { وأنه } أي وأوحي إليّ أو قال الجن لمن أطاعهم من قومهم حاكين ما رأوا من صلاته صلى الله عليه وسلم وازدحام أصحابه عليه متعجبين من ذلك أن الشأن أو{[69186]} القصة العظيمة العجيبة { لما } قمت كادوا يكونون عليّ - هكذا كان الأصل ولكنه عبر بالعبد كما تقدم من أن من دعا{[69187]} سيده ولو كان ذلك السيد أحقر الموجودات لا يفعل به ذلك ، فكيف إذا كان{[69188]} سيده مالك الملك{[69189]} وملك الملوك { قام عبد الله } أي عبد الملك الأعلى الذي له الجلال كله والجمال فلا موجود يدانيه بل كل موجود من فائض فضله { يدعوه } أي يدعو{[69190]} سيده دعاء عبادة من حيث{[69191]} كونه عبده ومن حيث كون{[69192]} سيده يسمع من دعاه ويجيبه .

ولما كان القاسطون أكثر الناس بل الناس{[69193]} كلهم في ذلك الزمان جناً وإنساً ، قال مبيناً لأنه{[69194]} يجوز على الأنبياء أن يؤذوا وينتقصوا رفعاً لدرجاتهم وتسلية لوراثهم وإن كانت رتبتهم تأبى ذلك ، { كادوا } أي قرب القاسطون من الفريقين الجن والإنس { يكونون عليه } أي على عبد الله { لبداً * } أي متراكمين بعضهم على بعض من شدة ازدحامهم حتى كان ذلك جبلة لهم تعجباً مما رأوا منه من عبادته وإرادة لرده عن ذلك ، وذلك أمر لا يعجب منه ، وإنما العجب ما {[69195]}فعلوا هم{[69196]} من عبادتهم لغيره سبحانه وتعالى ومن تعجبهم من عبادة عبده له وإخلاصه في دعائه ، وهو جمع لبد - بكسر اللام ، وقرىء بضم اللام جمع لبدة بضمها ، وهي ما{[69197]} تلبد بعضه{[69198]} على بعض .


[69185]:- زيدت الواو في ظ.
[69186]:- من ظ، وفي الأصل و "م".
[69187]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[69188]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[69189]:- من ظ وم، وفي الأصل: المالك.
[69190]:- من ظ وم، وفي الأصل: سيدعو.
[69191]:- زيد من ظ وم.
[69192]:- من ظ وم، وفي الأصل: كونه.
[69193]:- من ظ وم، وفي الأصل: أنه.
[69194]:- من ظ وم، وفي الأصل: فعلوه.
[69195]:- من م، وفي الأصل و ظ: بعضها.
[69196]:- من ظ وم، وفي الأصل: فعلوه.
[69197]:- زيد من ظ وم.
[69198]:- من م، وفي الأصل وظ: بعضها.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيۡهِ لِبَدٗا} (19)

{ وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا }

{ وأنه } بالفتح والكسر استئنافاً والضمير للشأن { لما قام عبد الله } محمد النبي صلى الله عليه وسلم { يدعوه } يعبده ببطن نخل { كادوا } أي الجن المستمعون لقراءته { يكونون عليه لبداً } بكسر اللام وضمها جمع لبدة كاللبد في ركوب بعضهم بعضاً ازدحاماً حرصاً على سماع القرآن .