في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

17

( ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا ، وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . .

وظاهرة البرق ظاهرة ناشئة من النظام الكوني ؛ ويعللها بعضهم بأنها تنشأ من انطلاق شرارة كهربائية بين سحابتين محملتين بالكهرباء ، أو بين سحابة وجسم أرضي كقمة جبل مثلا . ينشأ عنها تفريغ في الهواء يتمثل في الرعد الذي يعقب البرق . وفي الغالب يصاحب هذا وذلك تساقط المطر نتيجة لذلك التصادم . وأيا ما كان السبب فالبرق ظاهرة ناشئة عن نظام هذا الكون كما خلقه البارىء وقدره تقديرا .

والقرآن الكريم حسب طبيعته لا يفصل كثيرا في ماهية الظواهر الكونية وعللها ؛ إنما يتخذ منها أداة لوصل القلب البشري بالوجود وخالق الوجود . ومن ثم يقرر هنا أنها آية من آيات الله أن يريهم البرق ( خوفا وطمعا ) . . وهما الشعوران الفطريان اللذان يتعاوران النفس البشرية أمام تلك الظاهرة . شعور الخوف من الصواعق التي تحرق الناس والأشياء أحيانا عندما يبرق البرق . أو الخوف الغامض من رؤية البرق وما يوقعه في الحس من الشعور بالقوة المصرفة لهيكل هذا الكون الهائل . وشعور الطمع في الخير من وراء المطر الذي يصاحب البرق في معظم الأحوال ؛ والذي عقب بذكره في الآية بعد ذكر البرق : ( وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها ) . .

والتعبير بالحياة والموت بالقياس إلى الأرض تعبير يخيل أن الأرض كائن حي ، يحيا ويموت . وإنها لكذلك في حقيقتها التي يصورها القرآن الكريم . فهذا الكون خليقة حية متعاطفة متجاوبة ، مطيعة لربها خاضعة خاشعة ، ملبية لأمره مسبحة عابدة . والإنسان الذي يدب على هذا الكوكب الأرضي واحد من خلائق الله هذه ، يسير معها في موكب واحد متجه إلى الله رب العالمين .

ذلك كله بالإضافة إلى أن الماء حين يصيب الأرض ، يبعث فيها الخصب ، فتنبت الزرع الحي النامي ؛ وتموج صفحتها بالحياة المنبثقة في هذا النبات . ومن ثم في الحيوان والإنسان . والماء رسول الحياة فحيث كان تكون الحياة .

( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) . . فهنا للعقل مجال للتدبر والتفكير .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

أي : ومن آياته أن ينزل عليكم المطر الذي تحيا به البلاد والعباد ويريكم قبل نزوله مقدماته من الرعد والبرق الذي يُخَاف ويُطْمَع فيه .

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ } [ دالة ] على عموم إحسانه وسعة علمه وكمال إتقانه ، وعظيم حكمته وأنه يحيي الموتى كما أحيا الأرض بعد موتها .

{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : لهم عقول تعقل بها ما تسمعه وتراه وتحفظه ، وتستدل به عل ما جعل دليلا عليه .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلۡبَرۡقَ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَيُحۡيِۦ بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَآۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (24)

" ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا " قيل : المعنى أن يريكم ، فحذف " أن " لدلالة الكلام عليه ، قال طرفة :

ألا أيُّهَذَا اللائِمِي أحضُرَ الوَغَى *** وأن أشهدَ اللذات هل أنت مُخْلِدِي

وقيل : هو على التقديم والتأخير ، أي ويريكم البرق من آياته . وقيل : أي ومن آياته آية يريكم بها البرق ، كما قال الشاعر{[12464]} :

وما الدهر إلا تَارَتَانِ فمنهما *** أموتُ وأخرى أبتغِي العيشَ أكْدَحُ

وقيل : أي من آياته أنه يريكم البرق خوفا وطمعا من آياته ، قاله الزجاج . فيكون عطف جملة على جملة . " خوفا " أي للمسافر . " وطمعا " للمقيم . قاله قتادة . الضحاك : " خوفا " من الصواعق ، " وطمعا " في الغيث . يحيى بن سلام : " خوفا " من البرد أن يهلك الزرع ، " وطمعا " في المطر أن يحيي الزرع . ابن بحر : " خوفا " أن يكون البرق برقا خُلَّبا لا يمطر ، " وطمعا " أن يكون ممطرا . وأنشد قول الشاعر :

لا يكن بَرْقُكَ بَرْقًا خلّبا *** إن خير البرق ما الغيثُ مَعَهْ

وقال آخر :

فقد أَرِدُ المياه بغير زاد *** سوى عدّى لها بَرْقُ الغمام

والبرق الخُلَّب : الذي لا غيث فيه كأنه خادع . ومنه قيل لمن يعد ولا ينجز : إنما أنت كبرق خلب . والخلب أيضا : السحاب الذي لا مطر فيه . ويقال : برق خلب ، بالإضافة .

قوله تعالى : " وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " تقدم .


[12464]:هو ابن مقبل. كما في شواهد سيبويه والخزانة.