في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم يطمئن المؤمنين على صواب ما أوقعوه بهؤلاء الذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من تقطيع نخيلهم وتحريقه ، أو تركه كذلك قائما ، وبيان حكم الله فيه . وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا :

( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ، وليخزي الفاسقين ) . . واللينة الجيدة من النخل ، أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك . وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود ، وأبقوا بعضه . فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك . وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق . فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص ، يطمئن القلوب . فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله . فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة ؛ وأراد فيها ما أراد ، وأنفذ فيها ما قدره ، وكان كل ما وقع من هذا بإذنه . أراد به أن يخزي الفاسقين . وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه ؛ وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته . وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء .

بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة ، وتشفى صدورهم مما حاك فيها ، وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل . والله فعال لما يريد . وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

توزيع الفيء والغنائم

{ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ( 5 ) وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 6 ) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 7 ) }

المفردات :

من لينة : هي النخلة تحمل البلح أيّا كان لونه ، وقيل : هي نخلة العجوة ، وهي من كرائم النخل عندهم ، وجمعها : لين .

فبإذن الله : فالله أذن لكم فيه ، فلا لوم عليكم .

وليخزي الفاسقين : ليغيظ أصحاب النخل من اليهود ويذلهم .

التفسير :

5- { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } .

كانت غزوة بني النضير في السنة الرابعة ، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر ، وكان نخيلهم ومنازلهم في ناحية المدينة على ميلين منها ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضوا بالجلاء ، وفي أثناء الحصار هجم بعض المهاجرين على نخيلهم ، يستأصلونه أو يحرقونه إغاظة لهم ، فنهاهم بعض المهاجرين عن ذلك ، وقالوا : إنما النخل من غنائم المسلمين ، فصاح اليهود منكرين على العرب قطع نخيلهم وإحراقه ، ولم يكن العرب قطعوا من النخيل إلا شيئا قليلا لا يجاوز نخلة أو ست نخلات على الأكثر ، وعلم النبي بما كان ، وشق ذلك عليه وعلى بقية المسلمين ، ولكن الله سبحانه أنزل في ذلك قوله : ما قطعتم من لينة . . . ورفع اللوم عن قاطعي النخل ، لأن كل فريق مجتهد فيما ذهب إليه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

قوله تعالى : { ما قطعتم من لينة } الآية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح ! أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخيل ؟ فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ؟ ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون ذلك فساداً واختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها ، فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم ، حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال : " حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع البويرة " ، فنزلت : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله } ، أخبر الله في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه فبإذن الله . { وليخزي الفاسقين } واختلفوا في اللينة ، فقال قوم : النخل كلها لينة ما خلا العجوة ، وهو قول عكرمة وقتادة ، ورواه زاذان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع نخلهم إلا العجوة " وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر : الألوان ، واحدها لون ولينة . وقال الزهري : هي ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية . وقال مجاهد وعطية : هي النخل كلها من غير استثناء . وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم : هي لون من النخل . وقال سفيان : هي كرام النخل . وقال مقاتل هي ضرب من النخل يقال لثمرها اللون ، وهو شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس ، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة الواحدة منها ثمنها ثمن وصيف ، وأحب إليهم من وصيف ، فلما رأوهم يقطعونها شق ذلك عليهم وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد في الأرض وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل قائماً هو لمن غلب عليها ، فأخبر الله تعالى أن ذلك بإذنه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ما قطعتم من لينة} وكانوا قطعوا أربع نخلات كرام عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم غير العجوة، {أو تركتموها قائمة على أصولها} هو كله.

{فبإذن الله} يعني بأمر الله {وليخزي الفاسقين} لكي يخزى الفاسقين وهم اليهود بقطع النخل، فكان قطع النخل ذلا لهم وهوانا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ما قطعتم من ألوان النخل، أو تركتموها قائمة على أصولها.

اختلف أهل التأويل في معنى اللينة؛ فقال بعضهم: هي جميع أنواع النخل سوى العجوة...

وقال آخرون: النخل كله لينة، العجوة منه وغير العجوة... وقال آخرون: هي لون من النخل...

وقال، آخرون: هي كرام النخل...

والصواب من القول في ذلك قول من قال: اللينة: النخلة، وهن من ألوان النخل ما لم تكن عجوة...

وإنما أُنزلت هذه الآية فيما ذُكر من أجل أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما قطع نخل بني النضير وحرّقها، قالت بنو النضير لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنك كنت تنهى عن الفساد وتعيبه، فما بالك تقطع نخلنا وتُحرقها؟ فأنزل الله هذه الآية، فأخبرهم أن ما قطع من ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أو ترك، فعن أمر الله فعل.

وقال آخرون: بل نزل ذلك لاختلاف كان من المسلمين في قطعها وتركها...حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا يزيد بن رومان، قال: لما نزل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بهم، يعني ببني النضير تحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقطع النخل، والتحريق فيها، فنادوْه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فأنزل الله عزّ وجلّ:"مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ"

وقوله: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) يقول: فبأمر الله قطعتم ما قطعتم، وتركتم ما تركتم، وليغيظ بذلك أعداءه، ولم يكن فسادًا...

وقوله: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) وليذلّ الخارجين عن طاعة الله عزّ وجلّ، المخالفين أمره ونهيه، وهم يهود بني النضير.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

اتفق العلماء أنّ حصون الكفرة وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق. وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة، وعن ابن مسعود: قطعوا منها ما كان موضعا للقتال. وروى: أن رجلين كانا يقطعان: أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظاً للكفار. وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك، واحتج به من يقول: كل مجتهد مصيب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما دل سبحانه على عزته وحكمته بما فعل ببني النضير الذين يقولون إنهم أشجع الناس وأشدهم شكيمة بما لهم من الأصالة والاصطفاء على العالمين، مع التأييد بالكتاب والحكمة، وختم بأن من شاق رسوله فقد شاقه، ومن شاقه فقد شدد عقابه، أتبعه بيان ما عاقبهم به من قطع الصحابة رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنخلهم الذي هو أعز عليهم من أبكارهم وهم ينظرون إليه لا يغنون شيئاً ولا منعة لديهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يطمئن المؤمنين على صواب ما أوقعوه بهؤلاء الذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من تقطيع نخيلهم وتحريقه، أو تركه كذلك قائما، وبيان حكم الله فيه. وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا:

(ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله، وليخزي الفاسقين).. واللينة الجيدة من النخل، أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك. وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود، وأبقوا بعضه. فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك. وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق. فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص، يطمئن القلوب. فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله. فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة؛ وأراد فيها ما أراد، وأنفذ فيها ما قدره، وكان كل ما وقع من هذا بإذنه. أراد به أن يخزي الفاسقين. وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه؛ وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته. وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء.

بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة، وتشفى صدورهم مما حاك فيها، وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل. والله فعال لما يريد. وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف ابتدائي أفضى به إلى المقصد من السورة عن أحكام أموال بني النضير وإشارة الآية إلى ما حدث في حصار بني النضير وذلك أنهم قبل أن يستسلموا اعتصموا بحصونهم فحاصرهم المسلمون وكانت حوائطهم خارج قريتهم وكانت الحوائط تسمى البُويرة -بضم الباء الموحدة وفتح الواو وهي تصغير بؤر بهمزة مضمومة بعد الباء فخففت واواً- عمد بعض المسلمين إلى قطع بعض نخيل النضير قيل بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وقيل بدون أمره ولكنه لم يغيره عليهم. فقيل كان ذلك ليوسعوا مكاناً لمُعسكرهم، وقيل لتخويف بني النضير ونكايتهم، وأمسك بعض الجيش عن قطع النخيل وقالوا: لا تقطعوا مما أفاء الله علينا. وقد ذكر أن النخلات التي قطعت ست نخلات أو نخلتان. فقالت اليهود: يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر، وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض فأنزل الله هذه الآية.

والمعنى: أن ما قطعوا من النخل أريد به مصلحة إلجاء العدوّ إلى الاستسلام وإلقاء الرعب في قلوبهم وإذلالِهم بأن يروا أكرم أموالهم عرضة للإِتلاف بأيدي المسلمين، وأن ما أبقي لم يقطع في بقائه مصلحة لأنه آيل إلى المسلمين فيما أفاء الله عليهم فكان في كلا القطع والإِبقاء مصلحة فتعارض المصلحتان فكان حكم الله تخيير المسلمين. والتصرف في وجوه المصالح يكون تابعاً لاختلاف الأحوال، فجعل الله القطع والإِبقاء كليهما بإذنه، أي مرضياً عنده، فأطلق الإِذن على الرضى على سبيل الكناية، أو أطلق إذن الله على إذن رسوله صلى الله عليه وسلم إن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بذلك ابتداء، ثم أمر بالكف عنه.

وكلام الأيمة غير واضح في إذن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ابتداء وأظهر أقوالهم قول مجاهد: إن القطع والامتناع منه كان اختلافاً بين المسلمين، وأن الآية نزلت بتصديق من نهي عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإِثم...

واللِّينة: النخلة ذات الثمر الطيّب تُطلق اسم اللينة على كل نخلة غيرِ العجوةِ والبرنيِّ في قول جمهور أهل المدينة وأيمة اللغة. وتمر اللِّينة يسمى اللَّوْن.

وإيثار {لينة} على نخلة لأنه أخف ولذلك لم يرد لفظ نخلة مفرداً في القرآن، وإنما ورد النخل اسم جمع.

قال أهل اللغة: ياء لينة أصلها واوٌ انقلبت ياء لوقوعها إثر كسرة ولم يذكروا سبب كسر أوله ويقال: لِونة وهو ظاهر...

وجيء بالحال في قوله: {قائمة على أصولها} لتصوير هيئتها وحسنها. وفيه إيماء إلى أن ترك القطع أولى. وضمير {أصولها} عائد إلى {ما} الموصولة في قوله تعالى: {ما قطعتم} لأن مدلول {ما} هنا جمع وليس عائداً إلى {لينة} لأن اللّينة ليس لها عدة أصول بل لكل ليّنة أصل واحد.

وتعلق {على أصولها} ب {قائمة}. والمقصود: زيادة تصوير حسنها. والأصول: القواعد. والمراد هنا: سوق النخل قال تعالى: {أصلها ثابت وفرعها في السماء} [إبراهيم: 24]. ووصفها بأنها {قائمة على أصولها} هو بتقدير: قائمة فروعها على أصولها لظهور أن أصل النخلة بعضها.

والفاء من قوله: {فبإذن الله} مزيدة في خبر المبتدأ لأنه اسم موصول، واسم الموصول يعامل معاملة الشرط كثيراً إذا ضُمن معنى التسبب، وقد قرئ بالفاء وبدونها قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم} في سورة [الشورى: 30].

وعطف {وليخزي الفاسقين} من عطف العلة على السبب وهو {فبإذن الله} لأن السبب في معنى العلة، ونظيره قوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين} الآية في [آل عمران: 166].

والمعنى: فقطعُ ما قطعتم من النخل وترك ما تركتم لأن الله أذن للمسلمين به لصلاح لهم فيه، {وليخزي الفاسقين}، أي ليهين بني النضير فيروا كرائم أموالهم بعضها مخضود وبعضها بأيدي أعدائهم. فذلك عزة للمؤمنين وخزي للكافرين والمراد ب {الفاسقين} هنا: يهود النضير.

وعُدل عن الإتيان بضميرهم كما أتي بضمائرهم من قبل ومن بعد إلى التعبير عنهم بوصف {الفاسقين} لأن الوصف المشتق يؤذن بسبب ما اشتق منه في ثبوت الحكم، أي ليجزيهم لأجل الفسق.

والفسق: الكفر.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل كان استثناء من الأحكام الإسلامية الأوّلية التي تنهي عن قطع الأشجار وقتل الحيوانات وتدمير وحرق المزارع.. والعمل أعلاه كان مرتبطاً بمورد معيّن حيث أريد إخراج العدو من القلعة وجرّه إلى موقع أنسب للقتال وما إلى ذلك وعادةً توجد استثناءات جزئيّة في كلّ قانون.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ولما دل سبحانه على عزته وحكمته بما فعل ببني النضير الذين يقولون إنهم أشجع الناس وأشدهم شكيمة بما لهم من الأصالة والاصطفاء على العالمين ، مع التأييد بالكتاب والحكمة ، وختم بأن من شاق رسوله فقد شاقه ، ومن شاقه فقد شدد عقابه ، أتبعه بيان ما عاقبهم به من قطع الصحابة رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنخلهم الذي هو أعز عليهم من أبكارهم وهم ينظرون إليه لا يغنون شيئاً ولا منعة{[63708]} لديهم فقال : { ما } وهي شرطية وأتبعها بشرطها الناصب لها فقال : { قطعتم } أي كل ما قطعتموه ، وبين ما في " ما{[63709]} " من الإبهام بقوله معبراً عن النخل ، بما يفيد نوعه وأنه{[63710]} هان عليهم القطع ولان : { من لينة } وهي ضرب من النخل ، قال ابن إسحاق : هو ما خالف العجوة من النخل ، و{[63711]}قال ابن هشام : اللينة من الألوان ، وهي ما لم يكن برنية ولا عجوة من النخل فيما حدثني أبو عبيدة - انتهى . وقال صاحب القاموس اللون : الدقل من النخل ، وهي جماعة واحدتها{[63712]} لونة ولينة ، قال المهدوي : {[63713]}وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد [ وغيرهما-{[63714]} ] أنها النخل كله ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أنها{[63715]} لون من النخل ، وقال البغوي{[63716]} : ورواية زاذان{[63717]} عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع{[63718]} نخلهم إلا العجوة . وأهل المدينة يسمون ما خلا{[63719]} العجوة من التمر الألوان واحدها لون ولينة ، وقال عطية و{[63720]}الحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون : اللينة : النخلة ، اسمان بمعنى واحد ، وجمعها لين وليان ، وقال سفيان الثوري : اللينة ما تمرها لون وهو نوع من التمر شديد الصفرة يشف عن{[63721]} نواة فيرى من خارج ، قال البغوي{[63722]} : يغيب فيها الضرس{[63723]} ، وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة{[63724]} الواحدة ثمنها ثمن وصيف أحب إليهم من وصيف ، فلما رأوهم يقطعونها شق عليهم وقالوا للمؤمنين : إنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون ، دعوا هذه النخلة ، فإنما هي لمن غلب عليها ، وقال الرازي في اللوامع واختلاف الألوان فيها ظاهر{[63725]} لأنها أول حالها بيضاء{[63726]} كصدف مليء درّاً منضداً ، ثم غبراء ثم خضراء كأنها قطع زبرجد خلق فيها النماء ثم{[63727]} حمراء كأنها ياقوت رص بعضه ببعض ثم صفراء{[63728]} كأنها شذو عقيان ، ولذلك إذا بلغ الإرطاب نصفها سميت{[63729]} مجزعة لاختلاف ألوانها الجزع الظفاري .

ولما كان ما فسر بمؤنث هو اللينة ، أعاد الضمير مؤنثاً فقال : { أو تركتموها } ولما كان الترك يصدق ببقائها مغروسة أو مقطوعة قال : { قائمة } ولما كان المراد نخيلاً كثيرة لإرادة الجنس قال : { على أصولها } بجمع الكثرة { فبإذن الله } أي فقطعها بتمكين الملك الأعظم ورضاه ، قال القشيري : وفي هذا دليل على أن{[63730]} الشريعة غير معللة وإذا{[63731]} جاء الأمر الشرعي بطل طلب{[63732]} التعليل وسكتت الألسنة عن التقاضي ب " لِمَ " وحضور الاعتراض والاستقباح بالبال خروج عن حد العرفان .

ولما فطم عن طلب العلل خطاباً للكمل ، طيب قلوب من دونهم بعلة معطوفة على ما تقديره : فليس ذلك بفساد ولكنه صلاح أذن لكم فيه ليشفي به صدور المؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ، فقال واضعاً موضع ضميرهم ظاهراً يدل على ما أوجب خزيهم : { وليخزي الفاسقين * } الذين هم أصلاء في المروق{[63733]} من دائرة الحق بأن يذلهم ويفضحهم ببيان كذبهم في دعواهم العز والشجاعة والتأييد من الله لأنهم على الدين الحق وأنه لا يتطرق إليه نسخ{[63734]} ، وروى أبو يعلى{[63735]} عن جابر رضي الله عنه أنه قال : رخص لهم في قطع النخل ثم شدد عليهم{[63736]} فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ! علينا إثم فيما قطعنا أو علينا فيما تركنا ، فأنزل الله الآية - انتهى وكان ناس من المؤمنين مالوا إلى الكف عن القطع لما سموه اليهود فساداً وطائفة أشاروا بالاستمرار على القطع لأنه يغيظهم ، فصوب سبحانه في الآية من أمر بالكف وحلل من أشاروا بالاستمرار بالقطع{[63737]} من الإثم ، فدلت الآية على جواز إفساد{[63738]} أموال{[63739]} أهل الحرب{[63740]} على أي حال كان مثمراً{[63741]} كان أو لا بالتحريق والتغريق والهدم وغيره لإخزائهم بذلك .


[63708]:- من م، وفي الأصل وظ: صفة- كذا.
[63709]:- زيد من م.
[63710]:- من م، وفي الأصل وظ: لأنه.
[63711]:- زيد من ظ وم.
[63712]:- من ظ وم والقاموس، وفي الأصل: واحد منهما.
[63713]:- العبارة من هنا إلى "عنهما أيضا" ساقطة من ظ.
[63714]:- زيد من م.
[63715]:- من م، وفي الأصل وظ: إنه.
[63716]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 49.
[63717]:- من المعالم، وفي الأصول: باذان.
[63718]:- زيد من ظ وم المعالم.
[63719]:- من ظ وم والمعالم، وفي الأصل: ماعدا.
[63720]:- سقط من م.
[63721]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[63722]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 49.
[63723]:- من ظ والمعالم، وفي الأصل وم: الفرس.
[63724]:- زيد من ظ وم والمعالم.
[63725]:- من ظ وم، وفي الأصل: ظاهرة.
[63726]:- زيد من م.
[63727]:- زيد من ظ وم.
[63728]:- من ظ وم، وفي الأصل: صفى.
[63729]:- زيد من ظ وم.
[63730]:- زيد من ظ وم.
[63731]:- من م، وفي الأصل: وظ: إنما.
[63732]:- من م، وفي الأصل وظ: بطلب.
[63733]:- من م، وفي الأصل وظ: الرقة.
[63734]:- زيد في الأصل: انتهى، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[63735]:- راجع الدر المنثور 6/ 188.
[63736]:- زيد من ظ وم.
[63737]:- زيد من م.
[63738]:- من ظ وم، وفي الأصل: فساد.
[63739]:- زيد من ظ وم.
[63740]:- من ظ وم، وفي الأصل: العرب.
[63741]:- من ظ وم، وفي الأصل: مستمرا.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } .

{ ما قطعتم } يا مسلمون { من لينة } نخلة { أو تركتموها قائمة على أصولها فبأذن الله } أي خيَّركم في ذلك ، { وليخزيَ } بالإذن في القطع { الفاسقين } اليهود في اعتراضهم أن قطع الشجر المثمر فساد .