امرأته : هي أم جميل بنت حرب ، أخت أبي سفيان .
الحطب : المراد : الأشواك التي كانت تلقيها في طريق النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إيذاء لهم ، أو هو كناية عن إلقاء الفتنة بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين .
كانت زوجته أمّ جميل تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الفجر ، وكانت تشيع عنه السوء ، وتمشي بالنميمة ، ويقال لمن يفسد العلاقات بين الناس : إنه يحمل الحطب ، أي : يشعل النار ويقطّع أواصر المودة .
{ وامرأته } أم جميل ابنة حرب بن أمية أخت أبي سفيان . { حمالة الحطب } قال زيد والضحاك : كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم ، وهي رواية عطية عن ابن عباس . وقال قتادة ، ومجاهد ، والسدي : كانت تمشي بالنميمة ، وتنقل الحديث ، فتلقي العداوة بين الناس ، وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب . يقال : فلان يحطب على فلان ، إذا كان يغري به . وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا ، دليله : قوله : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }( الأنعام- 31 ) . قرأ عاصم { حمالة } بالنصب على الذم ، كقوله : ملعونين . وقرأ الآخرون بالرفع ، وله وجهان : أحدهما { سيصلى ناراً } هو وامرأته { حمالة الحطب } والثاني : وامرأته حمالة الحطب في النار أيضاً .
قوله تعالى : { وامرأته } أم جميل . وقال ابن العربي : العوراء أم قبيح ، وكانت عوراء . { حمالة{[16542]} الحطب } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : كانت تمشي بالنميمة بين الناس ، تقول العرب : فلان يحطب على فلان : إذا ورش عليه{[16543]} . قال الشاعر :
إن بني الأَدْرَمِ حَمَّالُو الحطبْ*** هم الوشاة في الرضا وفي الغَضَبْ
عليهم اللعنةُ تَتْرَى والحَرَبْ{[16544]}
من البيض لم تصطد على ظهرٍ لأُمَّةٍ *** ولم تمش بين الحي بالحطب الرَّطْبِ
يعني : لم تمش بالنمائم ، وجعل الحطب رطبا ليدل على التدخين ، الذي هو زيادة في الشر . وقال أكثم بن صيفي لبنيه : إياكم والنميمة فإنها نار محرقة ، وإن النمام ليعمل في ساعة مالا يعمل الساحر في شهر . أخذه بعض الشعراء فقال :
إن النميمةَ نارٌ ويْكَ مُحْرِقَةٌ *** ففرَّ عنها وجانبْ من تَعَاطَاهَا
ولذلك قيل : نار الحقد لا تخبو . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة نمام " . وقال : " ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها " . وقال عليه الصلاة والسلام : " من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ، وهؤلاء بوجه " . وقال كعب الأحبار : أصاب بني إسرائيل قحط ، فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات فلم يستسقوا . فقال موسى : ( إلهي عبادك ) ، فأوحى الله إليه : ( إني لا أستجيب لك ولا لمن معك ؛ لأن فيهم رجلا نماما ، قد أصر على النميمة ) . فقال موسى : ( يا رب من هو حتى نخرجه من بيننا ) ؟ فقال : ( يا موسى ، أنهاك عن النميمة وأكون نماما ) . قال : فتابوا بأجمعهم ، فسقوا . والنميمة من الكبائر ، لا خلاف في ذلك ، حتى قال الفضيل بن عياض : ثلاث تهد العمل الصالح ويفطرن الصائم ، وينقضن الوضوء : الغيبة ، والنميمة ، والكذب . وقال عطاء بن السائب : ذكرت للشعبي قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة سافك دم ، ولا مشاء بنميمة ، ولا تاجر يربي " ، فقلت : يا أبا عمرو ، قرن النمام بالقاتل وآكل الربا ؟ فقال : وهل تسفك الدماء ، وتنتهب الأموال ، وتهيج الأمور العظام ، إلا من أجل النميمة .
وقال قتادة وغيره : كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر . ثم كانت مع كثرة ما لها تحمل الحطب على ظهرها ؛ لشدة بخلها ، فعيرت بالبخل . وقال ابن زيد والضحاك : كانت تحمل العضاه والشوك ، فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقاله ابن عباس . قال الربيع : فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير . وقال مرة الهمداني : كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة{[16545]} من الحسك{[16546]} فتطرحها على طريق المسلمين ، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت ، فقعدت على حجر لتستريح ، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها . وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا والذنوب ، من قولهم : فلان يحتطب على ظهره ، دليله قوله تعالى : { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم }{[16547]} [ الأنعام : 31 ] . وقيل : المعنى حمالة الحطب في النار ، وفيه بعد . وقراءة العامة " حمالة " بالرفع ، على أن يكون خبرا " وامرأته " مبتدأ . ويكون " في جيدها حبل من مسد " جملة في موضع الحال من المضمر في " حمالة " . أو خبرا ثانيا . أو يكون { حمالة الحطب } نعتا لامرأته . والخبر { في جيدها حبل من مسد } ؛ فيوقف - على هذا - على { ذات لهب{ . ويجوز أن يكون { وامرأته{ معطوفة على المضمر في { سيصلى{ فلا يوقف على { ذات لهب } ويوقف على { وامرأته } وتكون { حمالة الحطب } خبر ابتداء محذوف . وقرأ عاصم { حمالة الحطب } بالنصب على الذم ، كأنها اشتهرت بذلك ، فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص ، كقوله تعالى : { حمالة الحطب } بالنصب على الذم ، كقوله تعالى : { ملعونين أينما ثقفوا }{[16548]} . وقرأ أبو قلابة { حاملة الحطب } .
ولما أخبر سبحانه وتعالى عنه بكمال التباب الذي هو نهاية الخسار ، وكان أشق ما على الإنسان هتك ما يصونه من حريمه ، حتى أنه يبذل نفسه دون ذلك ، لا سيما العرب ، فإنه لا يدانيهم في ذلك أحد ، زاده تحقيراً بذكر من يصونها معبراً عنها بما صدرها بأزرإ صورة وأشنعها ، فقال مشيراً إلى أن خلطة الأشرار غاية الخسار ، فإن الطبع وإن كان جيداً يسرق من الردىء ، فكيف إذا كان رديئاً ، وإن أرضى الناس بما يسخط الله أعظم الهلاك { وامرأته } أي أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، مثل زوجها في التباب والصلي ، من غير أن يغني عنها شيء من مال ولا حسب ولا نسب ، وعدل عن ذكرها بكنيتها ؛ لأن صفتها القباحة ، وهي ضد كنيتها ، ومن هنا تؤخذ كراهة التلقيب بناصر الدين ونحوها لمن ليس متصفاً بما دل عليه لقبه ، ثم وصفها بما أشار إليه ذنبها ، وأكمل قبيح صورتها فقال : { حمالة الحطب } أي الحاملة أقصى ما يمكن حمله من حطب جهنم بما كانت تمشي به ، وتبالغ فيه من حمل حطب البهت والنميمة الذي تحمل به على معاداة النبي صلى الله عليه وسلم ، وشدة أذاه ، وإيقاد نار الحرب والخصومة عليه صلى الله عليه وسلم ، من قول الشاعر :
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة *** ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب
أراد النميمة ، وعبر بالرطب للدلالة على زيادة الشر بما فيه من التدخين ، وشبهت النميمة بالحطب ؛ لأنها توقد الشر فتفرق بين الناس ، كما أن الحطب يكون وقوداً للنار فتفرقه ، وكذا بما كانت تحمل من الشوك وتنثره ليلاً في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لتؤذيه ، وكانت تفعله بنفسها من شدة عداوتها ، وتباشره ليلاً لتستخفي به ؛ لأنها كانت شريفة ، فلما نزلت سورة صوّرتها بأقبح صورة ، فكان ذلك أعظم فاضح لها . وقراءة عاصم بالنصب للقطع على الشتم تؤدي أن امرأته مبتدأ ، وأن الخبر { في جيدها } .