( ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً ، وغرتكم الحياة الدنيا ) . .
ثم يسدل الستار عليهم بإعلان مصيرهم الأخير . وهم متروكون في جهنم لا يخرجون ولا يطلب إليهم اعتذار ولا عتاب :
( فاليوم لا يخرجون منها ، ولا هم يستعتبون ) . .
وكأننا نسمع مع إيقاع هذه الكلمات صرير الأبواب وهي توصد إيصادها الأخير ! وقد انتهى المشهد ، فلم يعد فيه بعد ذلك تغيير ولا تحوير !
وغرتكم : وخدعتكم فاطمأننتم إليها .
ولا هم يستعتبون : أي : ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم ، أي أن يرضوه ، يقال : عتب عليه فأعتبه ، أي : لامه فأرضاه بإزالة ما لامه من أجله ، والعتبى هي الرضا .
35- { ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون } .
ذلكم العذاب بأنكم سخرتم من القرآن وآيات الله ومعجزاته البينات ، واستهزأتم بالرسول والمؤمنين والدعوة إلى الإيمان والتوحيد ، وشغلتكم الدنيا بما فيها ، وظننتم ألا بعث ولا جزاء ، فاليوم يوم الجزاء ، لا تخرجون من النار أبدا ، ولا تقبل منكم توبة ، ولا ترجعون إلى الدنيا أملا في العتبى ، أي مرضاة الله والعمل بما يرضيه ، فقد مضى أوان التوبة والرضا ، لأن الدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل .
ثم يسدل الستار عليهم بإعلان مصيرهم الأخير ، وهم متروكون في جهنم لا يخرجون ، ولا يطلب إليهم اعتذار ولا عتاب .
{ فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون } .
وكأننا نسمع مع إيقاع هذه الكلمات صرير الأبواب وهي توصد إيصادها الأخير ، وقد انتهى المشهد فلم يعد فيه بعد ذلك تغيير ولا تحوير .
لا يُستعتبون : لا تُطلب منهم العتبى والاعتذار .
وذلك لأنهم أصرّوا على إنكار الدين الحق ، واستهزؤا بالله ودينه ورسله ، واستغرقوا في حب الدنيا . وهذا معنى قوله تعالى : { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيَاتِ الله هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ }
لا يخرجون من النار بل يخلَّدون فيها ، ولا هم يُردُّون إلى الدنيا ، ولا يُطلب منهم أن يسترضوا الله ويتوبوا .
{ ذَلِكُمْ } الذي حصل لكم من العذاب { ب } سبب { أنكم اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } مع أنها موجبة للجد والاجتهاد وتلقيها بالسرور والاستبشار والفرح .
{ وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } بزخارفها ولذاتها وشهواتها فاطمأننتم إليها ، وعملتم لها وتركتم العمل للدار الباقية .
{ فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي : ولا يمهلون ولا يردون إلى الدنيا ليعملوا صالحا .
قوله تعالى : { ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً وغرتكم الحياة الدنيا } حتى قلتم : لا بعث ولا حساب ، { فاليوم لا يخرجون منها } قرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضم الراء ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الراء ، { ولا هم يستعتبون } لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله ، لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذراً ولا توبةً .
قوله تعالى : " ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله " يعني القرآن . " هزوا " لعبا . " وغرتكم الحياة الدنيا " أي خدعتكم بأباطيلها وزخارفها ، فظننتم أن ليس ثم غيرها ، وأن لا بعث . " فاليوم لا يخرجون منها " أي من النار . " ولا هم يستعتبون " يسترضون وقد تقدم{[13807]} . وقرأ حمزة والكسائي " فاليوم لا يخرجون " بفتح الياء وضم الراء لقوله تعالى : " كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها " {[13808]} [ السجدة : 20 ] الباقون بضم الياء وفتح الراء ، لقوله تعالى : " ربنا أخرجنا " [ فاطر : 37 ] ونحوه .
ولما ذكر جزاءهم على ما هو الحق المساوي{[58402]} لأعمالهم طبق الفعل بالفعل ، علله بما لزم على{[58403]} أعمالهم فقال : { ذلكم } أي العذاب العظيم { بأنكم اتخذتم } أي بتكليف منكم لأنفسكم وقسر على خلاف ما أدى إليه العقل ، وجاءت به الرسل ، وساعدت عليه الفطر الأول{[58404]} { آيات الله } أي الملك الأعظم {[58405]}الذي لا شيء أعظم منه{[58406]} { هزواً } أي جعلتموها عين ما أنزلت للإبعاد منه { وغرتكم } لضعف عقولكم { الحياة الدنيا } أي الدنية فآثرتموها لكونها حاضرة وأنتم كالبهائم لا يعدو نظركم المحسوس فقلتم : لا حياة غيرها ولا بعث ولا حساب ، ولو تعقلتم وصفكم لها لأداكم إلى الإقرار بالأخرى .
ولما أوصلهم إلى هذا الحد من الإهانة ، سبب عنه زيادة في إهانتهم وتلذيذاً لأوليائه الذين {[58407]}عادوهم فيه{[58408]} وإشماتاً لهم بهم : { فاليوم } بعد إيوائهم فيها { لا يخرجون } بمخرج ما { منها } لأن الله لا يخرجهم ولا يقدر غيره على ذلك { ولا هم } خاصة{[58409]} { يستعتبون * } أي يطلب من طالب ما منهم الإعتاب ، وهو الاعتذار بما يثبت لهم العذر ويزيل عنهم العتب الموجب للغضب بعمل من الأعمال الصالحات ؛ لأنهم في دار الجزاء لا دار العمل .