تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ذَٰلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗا وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَاۚ فَٱلۡيَوۡمَ لَا يُخۡرَجُونَ مِنۡهَا وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (35)

الآية 35 [ وقوله تعالى : { ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هُزُوًا } ]{[19249]} أخبر أن بعض ذلك الذي أصابهم ، ونزل بهم ، إنما كان بما ذكر من اتخاذهم آيات الله هُزوا بها وسخريا بالرسل عليهم السلام .

ثم آيات الله تحتمل ما ذكرنا من آيات وحدانيته وألوهيته وآيات سلطانه وقدرته على البعث أو آيات رسالة الرسول عليه السلام .

وقوله تعالى : { وغرّتكم الحياة الدنيا } قد ذكرنا في ما تقدم معنى نسبة التغرير إلى الحياة الدنيا وإضافته إليها ، وإن لم يكن منها على التحقيق تغرير وخداع ، وهو أنهم إنما اغتروا بها ، فنُسب فعل التغرير إليها ، كأنها هي غرّتهم .

وقد يُنسب إلى السبب الذي به صار ذلك ، وإن لم يكن منه حقيقة ذلك ، نحو قوله تعالى : { والنهار مُبصِرا } [ يونس : 67 ] أي يبصر به ، وذلك كثير في اللغة .

أو يقال : إن ما كان منهما ، لو كان ذلك مما يحتمل التغرير ، ويملك ذلك ، كان تغريرا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فاليوم لا يُخرجون منها ولا هم يُستعتبون } اختُلف في قوله : { ولا هم يُستعتبون } : قال بعضهم : إنهم يُعاتَبون إلى أن يُدخلوا النار : إنكم فعلتم كذا ، وتركتم كذا ، ولم فعلتم كذا ؟ فإذا أُدخلوا النار يُترك العتاب ، ويُجعل كالشيء المنسيّ فيها ، والله أعلم .

وقال بعضهم : { ولا هم يُستعتبون } أي لا يُسترجعون إلى ما يطلبون من العود والرجوع إلى العمل الصالح لقولهم : { ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل } الآية [ فاطر : 37 ] .

ثم في قوله : { إن نظن إلا ظنا } وقوله : { ورأى المجرمون النار فظنّوا } الآية [ الكهف : 53 ] وقوله : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } [ البقرة : 46 ] دلالة ألا يجب أن يُفهم على ظاهر ما خرج الخطاب أنه ذُكر الظن في المؤمنين ، والمراد به الإيقان لا ظاهر الظن ، وذُكر في الكافرين الظن ، وأريد به الحقيقة .

ولا يجوز أن يُفهم من الظن في الفريقين معنى واحد ، بل يُفهم من هذا غير الذي فُهِم من الآخر ، والله أعلم .


[19249]:في الأصل وم: ثم.