في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

21

( ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل ، هل يستويان مثلاً ? الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) . .

يضرب الله المثل للعبد الموحد والعبد المشرك بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضاً فيه ، وهو بينهم موزع ؛ ولكل منهم فيه توجيه ، ولكل منهم عليه تكليف ؛ وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق ؛ ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التي تمزق اتجاهاته وقواه ! وعبد يملكه سيد واحد ، وهو يعلم ما يطلبه منه ، ويكلفه به ، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح . .

( هل يستويان مثلاً ? ) . .

إنهما لا يستويان . فالذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين . وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه ، ووضوح الطريق . والذي يخضع لسادة متشاكسين معذب مقلقل لا يستقر على حال ولا يرضي واحداً منهم فضلاً على أن يرضي الجميع !

وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك في جميع الأحوال . فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يقطع الرحلة على هذه الأرض على هدى ، لأن بصره أبداً معلق بنجم واحد على الأفق فلا يلتوي به الطريق . ولأنه يعرف مصدراً واحداً للحياة والقوة والرزق ، ومصدراً واحداً للنفع والضر ، ومصدراً واحداً للمنح والمنع ، فتستقيم خطاه إلى هذا المصدر الواحد ، يستمد منه وحده ، ويعلق يديه بحبل واحد يشد عروته . ويطمئن اتجاهه إلى هدف واحد لا يزوغ عنه بصره . ويخدم سيداً واحداً يعرف ماذا يرضيه فيفعله وماذا يغضبه فيتقيه . . وبذلك تتجمع طاقته وتتوحد ، فينتج بكل طاقته وجهده وهو ثابت القدمين على الأرض متطلع إلى إله واحد في السماء . .

ويعقب على هذا المثل الناطق الموحي ، بالحمد لله الذي اختار لعباده الراحة والأمن والطمأنينة والاستقامة

والاستقرار . وهم مع هذا ينحرفون ، وأكثرهم لا يعلمون . .

/خ29

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

المفردات :

متشاكسون : مختلفون يتنازعون لسوء طباعهم .

سلما لرجل : خالصا لسيد واحد .

بل أكثرهم لا يعلمون : لا يعلمون الحق فيتبعوه .

التفسير :

29- { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون } .

هذا أيضا من أمثلة القرآن الموضحة التي يشبه فيها حالا عجيبة بأخرى مثلها .

ومعنى الآية :

ضرب الله مثالا للمشرك والموحد ، فالمشرك صفته صفة عبد يملكه أشخاص متعددون متنازعون مختلفون ، يكلفونه بأعمال متعددة في وقت واحد ، وإذا طلب من أحدهم مالا أو طعاما أو كساء ، أو غير ذلك مما يحتاج إليه ، أحاله على المالك الآخر ، فيصاب بالإحباط والتشوش ، إذ لا يدري من الذي يطيع ، وعلى من يعتمد من هؤلاء المالكين له ، هذا شأن المشرك بالله ، الذي يعبد أصناما شتّى لا تنفعه ولا تفيده ولا تدفع عنه ضرا ، فهو في حالة إحباط وتشوش ، كاسفا باله قليل الرجاء ، أما المثل الآخر فهو حالة رجل سلم لرجل ، أي عبد لا يملكه إلا رجل واحد ، يكلفه بمطالبه في نظام وترتيب ، ويتكفل المالك الواحد بما يحتاج إليه العبد من طعام وشراب وكساء وغير ذلك ، وهذا مثال للمؤمن الذي يعبد ربّا واحدا يلجأ إليه في البأساء ، ويشكره في النعماء ، ويؤمن به وحده ، ويعبده وحده لا شريك له ، ويتكفل الله تعالى به ويرعاه الله القوي القدير .

{ هل يستويان } .

هل يستوي من توزّع بين عدة ملاك متشاكسين ، يقول له أحدهم : اذهب إلى مكان كذا ، فيقول الثاني : لا تذهب لأني أريدك في عمل كذا ، وبين عبد ملكيته سالمة وخالصة لشخص واحد ، أموره مرتبة وهذا المالك متكفل برعاية عبده ، وسدّ حاجاته .

والجواب : لا يستويان .

{ الحمد لله } . أي الثناء الجميل والشكل العظيم له تعالى ، على أنه رب واحد ، وإله واحد ، لا إله غيره ولا رب سواه .

{ بل أكثرهم لا يعلمون } .

بل أكثر المشركين لا يعلمون عدم تساوي الرجلين ولا يدركون هذا الفرق بينهما ، فيشركوا مع الله غيره .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

{ ضرب الله مثلا . . . } أي للمشرك الذي يعبد آلهة كثيرة : عبدا مملوكا لجماعة متشاحنين ؛ لشكاسة أخلاقهم وسوء طباعهم ، يتجاذبونه ويتعاورونه في أغراضهم المتباينة ؛ فهو في حيرة من أمره ، لا يدري على أيهم يعتمد ، ولا أيهم يرضى بخدمته . وضرب للموحد مثلا : رجلا خالصا لفرد واحد ، ليس لغيره سبيل عليه يخدمه بإخلاص ، وذلك الفرد يعوله ويعرف له صدق بلائه ، فهو في راحة من الحيرة وتوزع القلب ؛ فأي الرجلين خير ؟ { متشاكسون } متنازعون شرسوا الطباع . يقال : رجل شكس وشكس ، أي صعب الخلق . وفعله ككرم . { ورجلا سلما } أي خلوصا لفرد واحد . مصدر وصف به مبالغة . وقرئ " سلما " بمعناه .