في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

والآية الثالثة في السياق يجوز أن تكون حكاية لقول الجن ، ويجوز أن تكون من كلام الله ابتداء :

( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) . .

وهي في الحالتين توحي بأن السجود - أو مواضع السجود وهي المساجد - لا تكون إلا لله ، فهناك يكون التوحيد الخالص ، ويتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار . وينفرد الجو ويتمحض للعبودية الخالصة لله . ودعاء غير الله قد يكون بعبادة غيره ؛ وقد يكون بالالتجاء إلى سواه ؛ وقد يكون باستحضار القلب لأحد غير الله .

فإن كانت الآية من مقولات الجن فهي توكيد لما سبق من قولهم : ( ولن نشرك بربنا أحدا )في موضع خاص ، وهو موضع العبادة والسجود . وإن كانت من قول الله ابتداء ، فهي توجيه بمناسبة مقالة الجن وتوحيدهم لربهم ، يجيء في موضعه على طريقة القرآن .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

صدق العقيدة

{ وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا 18 وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا 19 قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا 20 قل إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا 21 قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا 22 إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا 23 حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا 24 }

المفردات :

المساجد : واحدها مسجد ، وهو موضع السجود للصلاة والعبادة ، ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين .

فلا تدعوا : فلا تعبدوا .

سبب النزول :

سبب نزول الآية ( 18 ) :

وأنّ المساجد لله . . . الآية .

أخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا ، فنشهد معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا . وروى ذلك أيضا عن الأعمش .

وأخرج ابن جرير ، عن سعيد بن جبير قال : قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف لنا نأتي المسجد ونحن ناءون عنك ، أي : بعيدون عنك ، أو كيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك ، فنزلت : وأن المساجد لله . . . الآية .

سبب نزول الآية ( 20 ) :

قل إنما أدعوا ربي . . . سبب نزولها كما ذكر الشوكاني : أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك جئت بأمر عظيم ، وقد عاديت الناس كلهم ، فارجع عن هذا فنحن نجيرك .

سبب نزول الآية ( 22 ) :

قل إني لن يجيرني . . . أخرج ابن جرير ، عن حضرمي ، أنه ذكر أن جنيّا من الجن من أشرافهم ذا تبع قال : إنما يريد محمد أن يجيره الله ، وأنا أجيره ، فأنزل اله : قل إني لن يجيرني من الله أحد . . . الآية . v .

التفسير :

18- وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا .

كان المشركون يضعون الأصنام حول الكعبة ، ويدعونها ويتقربون إليها مع عبادتهم لله تعالى ، فأنزل الله تعالى هذا التوجيه الإلهي ، يفيد أن المساجد لله وحده ، فلا يجوز أن يعبد صنم أو وثن أو شخص مع الله عز وجل ، أي أخلصوا المساجد لتوحيد الله وعبادته عبادة خالصة له ، ولا تدعوا معه أي أحد من المخلوقين .

وقال سعيد بن جبير : نزلت في أعضاء السجود ، أي هي لله فلا تسجدوا بها لغير الله .

وفي الحديث أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة –وأشار بيده إلى أنفه- واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين )vi . فلا يجوز السجود بها لغير الله .

وقيل : المعنى : أفردوا المساجد لذكر الله ، ولا تتخذوها هزوا ومتجرا ومجلسا وطرقا ، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبا .

وفي الحديث : ( من نشد ضالة في المسجد فقولوا : لا ردها الله عليك ، فإن المساجد لم تبن لذلك )vii .

وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى وقال : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا . ( اللهم أنا عبدك وزائرك ، وعلى كل مزور حق ، وأنت خير مزور ، فأسألك برحمتك أن تفكّ رقبتي من النار ) ، فإذا خرج من المسجد قدّم رجله اليسرى وقال : ( اللهم صبّ على الخير صبّا ، ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا ، ولا تجعل معيشتي كدّا ، واجعل لي في الأرض جدّا ) . أي غنى .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

المساجد : جمع مسجد ، موضع السجود للصلاة والعبادة ، وتشمل جميع المعابد . فلا تدعوا : فلا تعبدوا .

قل أوحي إليّ أن المساجدَ لله فلا تعبُدوا فيها مع الله أحدا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } أي : لا دعاء عبادة ، ولا دعاء مسألة ، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله ، والخضوع لعظمته ، والاستكانة لعزته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وأن المساجد لله } يعني المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ، { فلا تدعو مع الله أحدا } قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله المؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد وأراد بها المساجد كلها . وقال الحسن : أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها مسجداً للنبي صلى الله عليه وسلم . وقال سعيد بن جبير : قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون ؟ فنزلت : { وأن المساجد لله } . وروي عن سعيد بن جبير أيضاً : أن المراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان وهي سبعة : الجبهة واليدان والركبتان والقدمان ؟ يقول : هذه الأعضاء التي يقع عليها السجود مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا علي بن الحسن الهلالي والسري بن خزيمة قالا : حدثنا يعلى بن أسد ، حدثنا وهيب ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء الجبهة -وأشار بيده إليها- واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين ، ولا أكفت الثوب ولا الشعر " . فإذا جعلت المساجد مواضع للصلاة ، فواحدها مسجد ، بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد ، بفتح الجيم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وأن المساجد لله } أراد المساجد على الإطلاق وهي بيوت عبادة الله ، وروي : أن الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة ، وقيل : أراد الأعضاء التي يسجد عليها واحدها مسجد بفتح الجيم وهذا بعيد ، وعطف أن المساجد لله على أوحى إلي أنه استمع وقال الخليل : معنى الآية لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ، أي : لهذا السبب فلا تعبدوا غير الله .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

ولما كان التقدير : لأنه أوحى إليّ أن الأمر على ما تتعارفونه بينكم من أن من خدم غير سيده عذبه أبداً ، عطف عليه قوله مبيناً لسيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما يجب لهم من الكمال الذي يكون بقوتي{[69177]} العلم والعمل ، والتكميل الذي يكون بهما مع قوة البيان ، ومن لم يكن كاملاً لم يتصور منه تكميل ليكون له ولد قلب كما أن من لم يكن{[69178]} بالغاً لم يتحقق منه ولد صلب ، ومبيناً لما يجوز عليهم وما يستحيل منهم وما لله تعالى من العناية بشأنهم : { وأن } أي وأوحى إليّ أن { المساجد } أي مواضع السجود{[69179]} من العالم الآفاقي من الأرض ومن العالم النفسي من الجسد - كما قاله سعيد بن جبير وطلق بن حبيب { لله } أي مختصة{[69180]} بالملك الأعظم { فلا تدعوا } أي بسبب ذلك أيها المخلوقون على وجه العادة { مع الله } أي{[69181]} الذي له جميع العظمة { أحداً * }{[69182]} لأن من تعبد لغير سيده في ملك سيده الذي هو{[69183]} العالم الآفاقي وبآلة سيده الذي هو العالم النفسي كان أشد الناس لوماً وعقوبة فكيف يليق بكم أن يخلق لكم وجهاً ويدين ورجلين وأرضاً تنتفعون بها وسماء تتم نفعها فتسجدون بالأعضاء التي أوجدها لكم في الأرض التي أمكنكم من الانتفاع بها تحت السماء التي أتم منافعها بها لغيره فتكونون قد صرفتم نعمة السيد التي يجب شكره عليها لغيره أيفعل هذا عاقل ؟ قال البغوي{[69184]} : فإن جعلت المساجد مواضع الصلاة فواحدها بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها بفتح الجيم .


[69177]:- من ظ وم، وفي الأصل: بقوة.
[69178]:- زيد من ظ وم.
[69179]:- من م، وفي الأصل وظ: موضع.
[69180]:- من ظ وم، وفي الأصل: مخصصة.
[69181]:- زيد من ظ وم.
[69182]:- زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69183]:- زيد من ظ وم.
[69184]:-في المعالم 7/134.