في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

16

وينتقل السياق إلى تصوير موقف المنافقين من الجهاد ، وما يعتمل في نفوسهم من جبن وخور وذعر وهلع عند مواجهة هذا التكليف ، ويكشف دخيلتهم في هذا الأمر ، كما يكشف لهم ما ينتظرهم لو ظلوا على هذا النفاق ، ولم يخلصوا ويستجيبوا ويصدقوا الله عندما يعزم الأمر ويتحتم الجهاد :

( ويقول الذين آمنوا : لولا نزلت سورة . فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ، فأولى لهم طاعة وقول معروف ، فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم . فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ! أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم . أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ? ) . .

وتطلع الذين آمنوا إلى تنزيل سورة : إما أن يكون مجرد تعبير عن شوقهم إلى سورة جديدة من هذا القرآن الذي يحبونه ، ويجدون في كل سورة منه زادا جديدا حبيبا . وإما أن يكون تطلعا إلى سورة تبين أمرا من أمور الجهاد ، وتفصل في قضية من قضايا القتال تشغل بالهم . فيقولون : ( لولا نزلت سورة ! ) . .

( فإذا أنزلت سورة محكمة ) . . فاصلة بينة لا تحتمل تأويلا - ( وذكر فيها القتال ) . . أي الأمر به . أو بيان حكم المتخلفين عنه ، أو أي شأن من شؤونه ، إذا بأولئك ( الذين في قلوبهم مرض ) . . وهو وصف من أوصاف المنافقين . . يفقدون تماسكهم ، ويسقط عنهم ستار الرياء الذي يتسترون به ، وينكشف جزعهم وضعف نفوسهم من مواجهة هذا التكليف ، ويبدون في حالة تزري بالرجال ، يصورها التعبير القرآني المبدع صورة فريدة كأنها معروضة للأنظار :

( رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ) . .

وهو تعبير لا تمكن محاكاته ، ولا ترجمته إلى أي عبارة أخرى . وهو يرسم الخوف إلى حد الهلع . والضعف إلى حد الرعشة . والتخاذل إلى حد الغشية ! ويبقى بعد ذلك متفردا حافلا بالظلال والحركة التي تشغف الخيال ! وهي صورة خالدة لكل نفس خوارة لا تعتصم بإيمان ، ولا بفطرة صادقة ، ولا بحياء تتجمل به أمام الخطر . وهي هي طبيعة المرض والنفاق !

وبينما هم في هذا التخاذل والتهافت والانهيار تمتد إليهم يد الإيمان بالزاد الذي يقوي العزائم ويشد القوائم لو تناولوه في إخلاص :

( فأولى لهم طاعة وقول معروف . فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ) . .

نعم . أولى لهم من هذه الفضيحة . ومن هذا الخور . ومن هذا الهلع . ومن هذا النفاق . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

20

المفردات :

لولا : كلمة تفيد الحث على حصول ما بعدها ، أي هلا أنزلت سورة في أمر الجهاد .

محكمة : بينة واضحة لا احتمال فيها لشيء آخر .

مرض : ضعف إيمان ونفاق .

المغشي عليه من الموت : من حضرته أعراض الموت وغشيته .

أولى لهم : ويل لهم ، كما قال تعالى : { أولى لك فأولى } . ( القيامة : 34 ) .

التفسير :

20- { وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ } .

يتشوق المؤمنون إلى نزول آيات من كتاب الله ليتسابقوا إلى العمل بما فيها من تكاليف أو جهاد ، ويقولون : هلا أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة جديدة ، لنستمع إلى وحي السماء ، وننفذ أوامر ربنا إذا طلب منا الجهاد ، فإذا أنزل الله سورة محكمة ، واضحة في أوامرها ، لا تحتمل وجها آخر ، بل هي صريحة في طلب الجهاد ، فإن المنافقين يعتريهم الخوف والخور ، والجبن والتردد ، وينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، { نظر المغشي عليه من الموت . . . } وهو الذي نزل الموت بساحته ، فأبلس واضطرب ، وأغمي عليه من الخوف والجبن .

{ فأولى لهم } . أي : فالويل والهلاك لهم ، كما قال سبحانه وتعالى : { أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى } . ( القيامة : 34 ، 35 ) . أي : هلاكا وسعيرا لك .

ويجوز أن يكون المعنى كالآتي :

{ فأولى لهم } . أي : أفضل لهم وأولى بهم أن يطيعوا الله ورسوله ، وأن يقولوا : طاعة وقول معروف .

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ( 77 ) } . ( النساء : 77 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

لولا نُزّلت سورة : هلاّ أنزلت سورة . محكمة : بينة ، واضحة . في قلوبهم مرض : شك ونفاق . نظر المغشيّ عليه من الموت : كالجبان الذي يخاف من كل شيء . أولَى لهم : ويل لهم . عزم الأمرُ : جد ولزم . إن توليتم : صرتم حكاما وتوليتم أمور الناس .

إن المؤمنين المخلصين يقولون : هلاّ أنزِلتْ سورةٌ تدعونا إلى القتال ، فإذا أنزلت سورةٌ مُحكَمة تأمر به ، رأيتَ يا محمد الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليكَ بهلَع وخوفٍ كأن الموت يغشاهم ، خوفا من القتال وكرها له .

{ فأولى لَهُمْ }

فالموتُ أَولى لمثل هؤلاء المنافقين ، أهلكهم الله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

{ 20-23 } { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ }

يقول تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا } استعجالا ومبادرة للأوامر الشاقة : { لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ } أي : فيها الأمر بالقتال .

{ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ } أي : ملزم العمل بها ، { وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ } الذي هو أشق شيء على النفوس ، لم يثبت ضعفاء الإيمان على امتثال هذه الأوامر ، ولهذا قال : { رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } من كراهتهم لذلك ، وشدته عليهم .

وهذا كقوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

{ ويقول الذين آمنوا } حرصا منهم على الوحي إذا استبطؤوه { لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة } غير منسوخة { وذكر فيها } فرض { القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض } أي المنافقين { ينظرون إليك } شزرا { نظر المغشي عليه من الموت } كنظر من وقع في سكرات الموت كراهة منهم للقتال { فأولى لهم }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

قوله تعالى : " ويقول الذين آمنوا " أي المؤمنون المخلصون . " لولا نزلت سورة " اشتياقا للوحي وحرصا على الجهاد وثوابه . ومعنى " لولا " هلا . " فإذا أنزلت سورة محكمة " لا نسخ فيها . قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة ، وهي أشد القرآن على المنافقين . وفي قراءة عبد الله " فإذا أنزلت سورة محدثة " أي محدثة النزول . " وذكر فيها القتال " أي فرض فيها الجهاد . وقرئ " فإذا أنزلت سورة وذكر فيها القتال " على البناء للفاعل ونصب القتال . " رأيت الذين في قلوبهم مرض " أي شك ونفاق . " ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت " أي نظر مغموصين مغتاظين بتحديد وتحديق ، كمن يشخص بصره عند الموت ، وذلك لجبنهم عن القتال جزعا وهلعا ، ولميلهم في السر إلى الكفار .

قوله تعالى : " فأولى لهم " قال الجوهري : وقولهم : أولى لك ، تهديد ووعيد . قال الشاعر :

فأولى ثم أولى ثم أولى *** وهل للدَّرِّ يحلب من مَرَدِّ

قال الأصمعي : معناه قاربه ما يهلكه ، أي نزل به . وأنشد :

فعادى بين هادِيَتَيْن منها *** وأولى أن يزيد على الثلاث

أي قارب أن يزيد . قال ثعلب : ولم يقل أحد في " أولى " أحسن مما قال الأصمعي . وقال المبرد : يقال لمن هم بالعطب ثم أفلت : أولى لك ، أي قاربت العطب . كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد فيفلت منه ليقول : أولى لك . ثم رمى صيدا فقاربه ثم أفلت منه فقال :

فلو كان أولى يطعم القوم صِدْتُهم *** ولكن أولى يتركُ القوم جُوَّعَا

وقيل : هو كقول الرجل لصاحبه : يا محروم ، أي شيء فاتك وقال الجرجاني : هو مأخوذ من الويل ، فهو أفعل ، ولكن فيه قلب ، وهو أن عين الفعل وقع موقع اللام . وقد تم الكلام على قوله : " فأولى لهم " . قال قتادة : كأنه قال العقاب أولى لهم . وقيل : أي وليهم المكروه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

ولما كان دليل على إحاطة العلم ، علم ما أبطنه الإنسان ولا سيما إن كان مخالفاً لما أظهره ، قال دالاً على إحاطة علمه بإظهار أسرار المنافقين عاطفاً على { ومنهم من يستمع إليك } : { ويقول } على سبيل التجديد المستمر { الذين آمنوا } أي ادعوا ذلك بألسنتهم وفيهم{[59675]} الصادق والمنافق دالين على صدقهم في{[59676]} إيمانهم بالتحريض على طلب الخير بتجدد الوحي الذي هو الروح الحقيقي : { لولا نزلت } على سبيل التدريج ، وبناه للمفعول دلالة على إظهارهم أنهم صاروا في صدقهم في الإيمان{[59677]} واعتقادهم أن التنزيل لا يكون إلا من الله بحيث{[59678]} لا يحتاجون إلى التصريح به { سورة } {[59679]}أي سورة كانت لنسر بسماعها ونتعبد بتلاوتها ونعمل بما فيها كائناً ما كان ، ويستمر الوحي فينا متجدداً مع تجدد الزمان ليكون ذلك أنشط لنا وأدخل في تحريك عزائمنا { فإذا أنزلت سورة } أي قطعة{[59680]} من القرآن تكامل نزولها كلها-{[59681]} تدريجاً أو جملة ، وزادت على مطلوبهم بالحس{[59682]} بأنها { محكمة } أي مبينة لا-{[59683]} يلبس شيء منها بنوع إجمال ولا ينسخ لكونه جامعاً للمحاسن في كل-{[59684]} زمان ومكان { وذكر فيها القتال } {[59685]}بأيّ ذكر كان ، والواقع أنه{[59686]} لا يكون إلا ذكراً مبيناً أنه-{[59687]} لا يزداد إلا وجوباً وتأكداً حتى تضع الحرب أوزارها ، قال البغوي{[59688]} : وكل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين . وهو مروي عن قتادة { رأيت } أي-{[59689]} بالعين والقلب { الذين في قلوبهم مرض } أي ضعف في الدين أو نفاق من الذين أقروا بالإيمان وطلبوا تنزيل القرآن وكانوا قد أقسموا بالله جهد أيمانهم : لئن أمرتهم ليخرجن { ينظرون إليك } كراهة لما نزل عليك بعد أن حرضوا على طلبه { نظر المغشي عليه } ولما كان للغشي أسباب ، بين أن هذا أشدها فقال تعالى : { من الموت } الذي هو نهاية{[59690]} الغشي فهو لا يطرف بعينه بل هو شاخص لا يطرف كراهة للقتال من الجبن والخور .

ولما كان هذا أمراً منابذاً{[59691]} للإنسانية لأنه مباعد{[59692]} للدين والمروءة ، سبب عنه أعلى التهديد فقال متوعداً لهم بصورة الدعاء بأن يليهم{[59693]} المكروه : { فأولى } أي أشد{[59694]} ميل وويل وانتكاس وعثار{[59695]} موضع لهم في الهلكة كائن { لهم * } أي خاص بهم ، وفسرته بذلك لما تقدم في آخر الأنفال من أن مادة " ولى " تدور على الميل ، فإذا{[59696]} كانت على صيغة أفعل التفضيل - وهو قول الأكثر - جاءت الشدة ، قال الأصمعي : إنه{[59697]} فعل ماضٍ أي قاربهم ما يهلكهم{[59698]} وأولاهم الله الهلاك ، وقال الرضي في باب المعرفة والنكرة : إنه علم للوعيد وفيه وزن الفعل{[59699]} فلذا منع من الصرف ، وليس بأفعل تفضيل ولا أفعل فعلاً ولا اسم فعل لأن أبا زيد حكى لحاق تاء التأنيث له فقالوا : أولاة الآن - كأرملة{[59700]} وهو من وله الشر أي قرنه حال ، وقبوله للتاء لا يضر الوزن ، لأن ذلك في{[59701]} علم آخر .


[59675]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فيه.
[59676]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:"و".
[59677]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: إيمانهم.
[59678]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حيث.
[59679]:زيد في الأصل و ظ: أي، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59680]:زيد في الأصل و ظ: كاملة، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[59681]:زيد من م ومد.
[59682]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بالحسن.
[59683]:زيد من م ومد.
[59684]:زيد من م ومد.
[59685]:زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59686]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لأنه.
[59687]:زيد من م ومد.
[59688]:راجع المعالم بهامش اللباب 6/151.
[59689]:زيد من م ومد.
[59690]:??????
[59691]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: غاية.
[59692]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مديدا.
[59693]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: صاعد.من مد، وفي الأصل و ظ و م: بينهم.
[59694]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أشل.
[59695]:زيد في الأصل: وعتاب، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59696]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فإن.
[59697]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أي.
[59698]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يهكهم.
[59699]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: القول.
[59700]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كما دملة-كذا.
[59701]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: من.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡلَا نُزِّلَتۡ سُورَةٞۖ فَإِذَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ مُّحۡكَمَةٞ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلۡقِتَالُ رَأَيۡتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ نَظَرَ ٱلۡمَغۡشِيِّ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَأَوۡلَىٰ لَهُمۡ} (20)

قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم 20 طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم 21 فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم 22 أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } .

يبين الله جل جلاله ههنا حال المؤمنين الصادقين الذين يتمنون نزول آية من عند الله تأمرهم بالجهاد طلبا لرضى الله وثوابه ورغبة في دفع الظلم والظالمين . وذلك بخلاف المرتابين والخائرين المنافقين فإنهم إذا أنزلت آية في القتال غشيهم من الرعب والجزع ما غشيهم . وذلك لفرط جبنهم وخورهم وفساد قلوبهم . وهو قوله سبحانه { ويقول الذين آمنوا نزلت سورة } أي يقول المؤمنون المخلصون : هلا نزّلت من عند الله سورة تأمر بقتال الكافرين ، وذلك بسبب عشقهم نزول القرآن ولعظيم حبهم للجهاد في سبيل الله . وذلك كله يكشف عن حقيقة الإخلاص في نفوس هؤلاء المؤمنين الصادقين المخبتين إلى ربهم .

قوله : { فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال } إذا أنزل الله سورة محكمة لا نسخ فيها ، أو مبيّنة غير متشابهة وقد فرض فيها الجهاد وقتال المشركين { رأيت الذين في قلوبهم مرض } أي رأيت المرتابين من الناس الذين ران على قلوبهم الشك والنفاق { ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } يعني تشخص أبصارهم من فرط الهلع والجزع ، فهم ينظرون إليك نظر من يشخص بصره عند الموت { فأولى لهم } وذلك تهديد لهؤلاء الجبناء الخائرين الذين في قلوبهم مرض ، أو الذين يعبدون الله على حرف . و المعنى : فويل لهم .