ثم يطمئن المؤمنين على صواب ما أوقعوه بهؤلاء الذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من تقطيع نخيلهم وتحريقه ، أو تركه كذلك قائما ، وبيان حكم الله فيه . وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا :
( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ، وليخزي الفاسقين ) . . واللينة الجيدة من النخل ، أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك . وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود ، وأبقوا بعضه . فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك . وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق . فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص ، يطمئن القلوب . فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله . فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة ؛ وأراد فيها ما أراد ، وأنفذ فيها ما قدره ، وكان كل ما وقع من هذا بإذنه . أراد به أن يخزي الفاسقين . وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه ؛ وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته . وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء .
بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة ، وتشفى صدورهم مما حاك فيها ، وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل . والله فعال لما يريد . وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد .
{ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ( 5 ) وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 6 ) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 7 ) }
من لينة : هي النخلة تحمل البلح أيّا كان لونه ، وقيل : هي نخلة العجوة ، وهي من كرائم النخل عندهم ، وجمعها : لين .
فبإذن الله : فالله أذن لكم فيه ، فلا لوم عليكم .
وليخزي الفاسقين : ليغيظ أصحاب النخل من اليهود ويذلهم .
5- { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } .
كانت غزوة بني النضير في السنة الرابعة ، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر ، وكان نخيلهم ومنازلهم في ناحية المدينة على ميلين منها ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضوا بالجلاء ، وفي أثناء الحصار هجم بعض المهاجرين على نخيلهم ، يستأصلونه أو يحرقونه إغاظة لهم ، فنهاهم بعض المهاجرين عن ذلك ، وقالوا : إنما النخل من غنائم المسلمين ، فصاح اليهود منكرين على العرب قطع نخيلهم وإحراقه ، ولم يكن العرب قطعوا من النخيل إلا شيئا قليلا لا يجاوز نخلة أو ست نخلات على الأكثر ، وعلم النبي بما كان ، وشق ذلك عليه وعلى بقية المسلمين ، ولكن الله سبحانه أنزل في ذلك قوله : ما قطعتم من لينة . . . ورفع اللوم عن قاطعي النخل ، لأن كل فريق مجتهد فيما ذهب إليه .
{ ما قطعتم من لينة } من نخلة من نخيلهم ، { أو تركتموها قائمة } فلم تقطعوها { فبإذن الله } أي أنه أذن في ذلك إن شئتم قطعتم وإن شئتم تركتم ، وذلك أنهم لما تحصنوا بحصونهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وإحراقها فجزعوا من ذلك ، وقالوا من أين لك يا محمد عقر الشجر المثمر ، واختلف المسلمون في ذلك فمنهم من قطع غيظا لهم ومنهم من ترك القطع وقالوا هو مالنا أفاء الله علينا به ، فأخبر الله أن كل ذلك من القطع والترك بإذنه ، { وليخزي الفاسقين } وليذل اليهود وليغيظهم .
قوله : { ما قطعتم من لّينة أو تركتموها قائمة على أصولها } اللينة مفرد وجمعه اللين . وهو كل نوع من أنواع النخل سوى العجوة{[4497]} والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل حصون بني النضير عقب نقضهم العهد أمر بقطع نخيلهم وإحراقها . واختلفوا في عدد النخلات التي قطعت أو حرقت . فقيل : إن مجموع ما قطعه المسلمون من نخيلهم وأحرقوه ست نخلات . وقيل : قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة وقد أقرّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
على أن المقصود من قطع النخيل لبني النضير ، هو إضعافهم والتضييق عليهم من أجل الخروج . فأخبر الله بعد ذلك أن قطع النخل إنما كان بإذن الله أي بأمره وقدره . وقد كان ذلك ردا لمقالة يهود ، إذ بعثوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تنهى عن الفساد فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله الآية { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } أي أن قطعها لم يكن فسادا وإنما كان بأمر الله ليذل الخارجين عن طاعته وهم بنو النضير{[4498]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.