ثم هو اليوم الذي يبرزون فيه بلا ساتر ولا واق ولا تزييف ولا خداع :
( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء ) . .
والله لا يخفى عليه منهم شيء في كل وقت وفي كل حال . ولكنهم في غير هذا اليوم قد يحسبون أنهم مستورون ، وأن أعمالهم وحركاتهم خافية ، أما اليوم فيحسون أنهم مكشوفون ، ويعلمون أنهم مفضوحون ؛ ويقفون عارين من كل ساتر حتى ستار الأوهام !
ويومئذ يتضاءل المتكبرون ، وينزوي المتجبرون ، ويقف الوجود كله خاشعاً ، والعباد كلهم خضعاً . ويتفرد مالك الملك الواحد القهار بالسطان . وهو سبحانه متفرد به في كل آن . فأما في هذا اليوم فينكشف هذا للعيان ، بعد انكشافه للجنان . ويعلم هذا كل منكر ويستشعره كل متكبر . وتصمت كل نأمة وتسكن كل حركة . وينطلق صوت جليل رهيب يسأل ويجيب ؛ فما في الوجود كله يومئذ من سائل غيره ولا مجيب :
بارزون : ظاهرون لا يسترهم جبل ولا أكمة ولا نحوها .
16- { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } .
في هذا اليوم – يوم التلاق – يتلاقى الخلْق والخالق ، فيلقى كل إنسان جزاء عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وفي هذا اليوم نجد الجميع بارزين ظاهرين بعضهم لبعض ، لا يحجبهم حجاب ، ولا جبل ، ولا سهل ولا أكمة ، فقد سوّيت الأرض ، وأزيل منها الجبال والهضاب ، فلا ترى عوجا ولا أمْتا ، وحينئذ تسأل الملائكة جميع أهل المحشر : { لمن الملك اليوم } . فيجيب الجميع مؤمنهم و كافرهم : { لله الواحد القهار } .
إن إسرافيل ينفخ في الصور ، فيصعق الناس جميعا ميتين ، فينادي الحق سبحانه وتعالى : { لمن الملك اليوم } . ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، فيجيبه الحق سبحانه : { لله الواحد القهار } . الإله الواحد لا شريك له ، الذي قهر كل شيء وغلبه .
ولما أفهم ذلك عدم الحجاب من بيوت أو جبال ، أو أشجار أو تلال ، أو غير ذلك من سائر ذوات الظلال ، نبه عليه في قوله معيداً ذكر اليوم لأنه أهول له : { يوم هم } أي بظواهرهم وبواطنهم { بارزون } أي برزوا لا ساتر فيه أصلاً .
ولما كان من المعلوم عندهم إنما لا ساتر له معلوم ، أجرهم على ما يعهدون ، وعبر بعبارة تعم ذلك فقال مستأنفاً في جواب من ظن أنه قد يخفي عليه شيء عند الساتر معظماً الأمر بإظهار الاسم الأعظم : { لا يخفى على الله } أي المحيط علماً وقدرة { منهم شيء } أي من ذواتهم ولا معانيهم سواء ظهروا أو استتروا في هذا اليوم وفي غيره .
ولما كان من العادة المستمرة أن الملك العظيم إذا أرسل جيشه إلى من طال تمردهم عليه وعنادهم له فظفروا بهم وأحضروهم إليه أن يناديهم مناديه وهم وقوف بين يديه قد أخرستهم هيبته وأذلتهم عظمته بلسان قاله أو لسان حاله بما يبكتهم به ويوبخهم ويؤسفهم على ما مضى من عصيانهم ويندمهم قال : { لمن الملك اليوم } أي يا من كانوا يعملون أعمال من يظن أنه لا يقدر عليه أحد ، فيجيبون بلسان الحال أو المقال كما قال بعض من قال :
سكت الدهر طويلاً عنهم *** قد أبكاهم دماً حين نطق
{ لله } أي الذي له جميع صفات الكمال ، ثم دل على ذلك بقوله : { الواحد } أي الذي لا يمكن أن يكون له ثان بشركة ولا قسمة ولا غيرها { القهار * } أي الذي يقهر من يشاء متكرراً وصفه بذلك دائماً أبداً لما ثبت من غناه المطلق بوحدانيته الحقيقة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.