فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

{ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } أي خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء ، لكون الأرض يومئذ قاعا صفصفا ، ولا ثياب عليهم وإنما هم عراة مكشوفون ، كما في الحديث : ( يحشرون عراة حفاة غرلا ) ، وهو بدل من يوم التلاق ، بدل كل من كل ، ويوم ظرف مستقبل كإذا مضاف إلى الجملة الاسمية على طريقة الأخفش ، وحركة يوم حركة إعراب على المشهور وقيل حركة بناء كما ذهب إليه الكوفيون ، ويكتب هنا وفي الذاريات في قوله تعالى : { يوم هم على النار يفتنون } منفصلا وهو الأصل أفاده السمين ، ونحوه في شرح الجزرية لشيخ الإسلام ، لأن { هم } مرفوع بالابتداء فالمناسب القطع ، وما عداهما نحو " من يومهم الذي يوعدون " ، " حتى يلاقوا يومهم " ، موصول لأن هم فيهما ضمير مبني في محل جر ، فالمناسب الوصل .

وجملة : { لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } مستأنفة مبنية لبروزهم ، أي لا يخفى عليه سبحانه شيء من ذواتهم وأحوالهم وأعمالهم التي عملوها في الدنيا أو حال من ضمير بارزون ، أو خبر ثان للمبتدأ وقوله { لِمَنِ } خبر مقدم ، وقوله : { الْمُلْكُ الْيَوْمَ } مبتدأ مؤخر ، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل فماذا يقال عند بروز الخلائق في ذلك اليوم ؟ فقيل يقال لمن الملك اليوم .

قال المفسرون إذا هلك كل من في السماوات والأرض ، فيقول الرب تبارك وتعالى هذا القول ، فلا يجيبه أحد فيجيب تعالى نفسه فيقول : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } خبر مبتدأ محذوف قال الحسن : هو السائل وهو المجيب ، حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه . وقيل إنه سبحانه يأمر مناديا بذلك فيقول أهل المحشر مؤمنهم وكافرهم { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } .

قال النحاس : وهذا أصح ما قيل فيه وقيل : الأول ظاهر جدا ، وقيل إنه يجيب المنادي بهذا الجواب أهل الجنة دون أهل النار أفاده الزمخشري . وقيل : هو حكاية لما ينطق به لسان الحال في ذلك اليوم لانقطاع دعاوى المبطلين ، كما في قوله : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } وقال القرطبي : وذلك عند فناء الخلق ، وقيل : بقوله تعالى بين النفختين ، ويجيب نفسه بعد أربعين سنة .