قوله » { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } في «يوم » أربعةُ أوجه :
أحدها : أنه بدل من «يوم التلاق » بدل كل من كل{[48001]} .
الثاني : أن ينتصب بالتلاق أي يقع التلاق في يوم بُرُوزِهمْ{[48002]} .
الثالث : أن ينتصب بقوله لا يَخْفَى عَلَى اللهِ ( مِنْهُمْ شَيْءٌ ) ذكره ابن عطية{[48003]} . وهذا على أحد الأقوال الثلاثة في «لا » هل يعمل ما بعدها فيما قبلها ؟ ثالثها التفصيل بين أن تقع جواب قسم فيمتنع أو لا فيجوز هذا على قولين من هذه الأقوال{[48004]} .
الرابع : أن ينتصب بإضمار «اذكر »{[48005]} و«يوم » ظرف مستقبل «كإذا » .
وسيبويه لا يرى إضافة الظرف المستقبل إلى الجمل الاسمية والأخفش يراه ولذلك قدر سيبويه في قوله { إِذَا السمآء انشقت } [ الإنشقاق : 1 ] ونحوه فعلاً قبل الاسم ، والأخفش لم يقدرْه ، وعلى هذا فظاهر الآية مع الأخفش . ويجاب عن سيبويه بأن «هُمْ » ليس مبتدأ بل مرفوعاً بفعل محذوف يفسره اسمُ الفاعل ، أي يوم برزوا ويكون «بارزون » خبرَ مبتدأ مضمر ، فلما حذف الفعل انفصل الضمير فَبَقِيَ كما ترى ، وهذا كما قالوا في قوله ( رَحِمَهُ{[48006]} اللهُ ) :
4322 لَوْ بغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ *** كُنْتُ كالغَصَّانِ بِالمَاءِ اعْتِصَارِي{[48007]}
في أَنَّ «حَلْقِي » مرفوعٌ بفعل يفسره «شَرِقٌ » ؛ لأنَّ «لَوْ » لا يليها إلا الأفعال ، وكذا قوله ( شعرا ){[48008]}
4323 . . . . . . . . . . . . . . *** إليَّ فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُها{[48009]}
لأنَّ «هَلاَّ » لا يليها إلا الأفعال ، فالمفسَّر في هذه المواضع ِأسماء مشتقة وهو نظير : أنا زَيْداً أضَارِبُهُ من حيث التفسير ، وحركة «يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ » حركة إعراب على المشهور ، ومنهم من جوز بناء الظرف وإن أضيف إلى فعلٍ مضارع أو جملة اسمية وهم الكوفيون ، وقد وَهَمَ بعضُهم فَحَتَّم بناء الظرف المضاف للجمل الاسمية وقد تقدم أنه لا يبنى عند البصريين إلا ما أضيف إلى ( فعل{[48010]} ) ما نُصضَّ كقوله :
4324 عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . {[48011]}
وتقدم هذا مُسْتَوْفًى في آخر المائدة{[48012]} .
وكتبوا «يَوْمَ » هنا وفي الذاريات{[48013]} منفصلاً ، وهو الأصل .
قوله : { لاَ يخفى عَلَى الله } يجوز أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالاً من ضمير «بَارِزُونَ » ، وأن تكون خبراً ثانياً{[48014]} .
قال بعض المفسرين : يوم التلاق هو يوم يلتقي أهلُ السماء وأهل الأرض . وقال قتادة ومقاتل : يلتقي الخلق والخالق . وقال بن زيد : يتلاقى العباد . وقال مَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ : يلتقي الظالم والمظلوم ، وقيل : يلتقي العابد والمعبود ، وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله ، وقيل : يلتقي الأرواح مع الأجساد ، بعد مفارقتها إياها يوم هم بارزون ، كناية عن ظهور أعمالهم وانكشاف أسرارهم كما قال تعالى : { يَوْمَ تبلى السرآئر } [ الطارق : 9 ] .
{ لا يخفى على الله منهم } أي من أحوالهم شيء ويقول الله سبحانه بعد فناء الخلق «لمن الملك اليوم » فلا يجيبه أحد فيجيب نفسه فيقول { لِلَّهِ الواحد القهار } الذي قهر الخلق بالموت{[48015]} .
فإن قيل : الله تعالى لا يخفى عليه شيء منهم في جميع الأيام فما معنى تقييد هذا العلم بذلك اليوم ؟ .
فالجواب : أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحِيطَان والحُجُب أن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حالة لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمونه{[48016]} في الدنيا ، كما قال تعالى : { ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ فصلت : 22 ] ، وقال تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله وَهُوَ مَعَهُمْ } [ النساء : 108 ] وهو معنى قوله : { وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] .
قال المفسرون : إذا هلك كل من في السموات ومن في الأرض فيقول الرب تعالى : لِمن الملك اليوم ؟ يعني يوم القيامة ، فلا يجيبه أحد ، فهو تعالى يجيب نفسه فيقول : لله الواحد القهار ، قال ابن الخطيب : قال أهل الأصول هذا القول ضعيف من وجوه :
الأول : أنه تعالى بين أن هذا النداء إنما يحصل يوم التلاق يوم هم بارزون ، ويوم تجزى كل نفس ما كسبت ، والناس في ذلك الوقت أحياء فبطل قولهم إنما ينادى هذا النداء حين يَهْلِكُ كُلُّ من في السموات ومن في الأرض .
الثاني : أن الكلام لا بد فيه من فائدة ؛ لأن الكلام إما أن يذكر حالَ حُضُور الغير أو حالَ ما لا يَحْضُرُ الغير ، والأول باطل ههنا ؛ لأن القوم قالوا : إنه تعالى إنما يذكر هذا الكلام عند فناء الكل . والثاني أيضاً باطل لأن الرجل إنما يحسن تكلمه حال كونه وحده إما لأن يحفظ به شيئاً كتكريره على الدرس وذلك على الله تعالى محال أو لأجل أن يعدي الله بذلك الذكر وهذا أيضاً على الله تعالى محال فثبت ( أن{[48017]} ) قولهم : إن الله تعالى يذكر هذا النداء حال هلاك جميع المخلوقات باطل ، وقال بعض المفسرين : إنه في يوم التلاق إذا حضر الأولون والآخرون وبرزوا لله نادى منادٍ : لمن الملك اليوم ؟ فيقول كل الحاضرين{[48018]} في محفل القيامة : لله الواحد القهار ، فالمؤمنون يقولونه تلذذاً بهذا الكلام حيث نالوا بهذا الذكر المنزلة الرفيعة ، والكفار يقولونه تحسراً وصَغَاراً وندامةً على تفويتهم هذا الذكر في الدنيا ، وقال القائلون بهذا القول الأول عن ابن عباس وغير إن هذا النداء بعد هلاك البشر لم يمنع أن يكون هناك ملائكة يسمعون ذلك النداء ويجيبون بقولهم : لله الواحد القهار . وقال ابن الخطيب : أيضاً على هذا القول لا يبعد أن يكون السائل والمجيب هو الله تعالى ، ولا يعبد أيضاً أن يكون السائل جمعاً من الملائكة والمجيب جمع آخرون وليس على التعيين دليل{[48019]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.