البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

{ يوم هم بارزون } : أي ظاهرون من قبورهم ، لا يسترهم شيء من جبل أو أكمة أو بناء ، لأن الأرض إذ ذاك قاع صفصف ، ولا من ثياب ، لأنهم يحشرون حفاة عراة .

ويوماً بدل من يوم التلاق ، وكلاهما ظرف مستقبل .

والظرف المستقبل عند سيبويه لا يجوز إضافته إلى الجملة الإسمية ، لا يجوز : أجيئك يوم زيد ذاهب ، أجراء له مجرى إذا ، فكما لا يجوز أن تقول : أجيئك إذا زيد ذاهب ، فكذلك لا يجوز هذا .

وذهب أبو الحسن إلى جواز ذلك ، فيتخرج قوله : { يوم هم بارزون } على هذا المذهب .

وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا على قلة ، والدلائل مذكورة في علم النحو .

وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون انتصابه على الظرف ، والعامل فيه قوله : { لا يخفى } ، وهي حركة إعراب لا حركة بناء ، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن ، كيومئذ .

وقال الشاعر :

على حين عاتبت المشيب على الصبا . . .

وكقوله تعالى : { هذا يوم ينفع } وأما في هذه الآية فالجملة اسم متمكن ، كما تقول : جئت يوم زيد أمير ، فلا يجوز البناء . انتهى .

يعني أن ينتصب على الظرف قوله : { يوم هم بارزون } .

وأما قوله لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن ، فالبناء ليس متحتماً ، بل يجوز فيه البناء والإعراب .

وأما تمثيله بيوم ينفع ، فمذهب البصريين أنه لا يجوز فيه إلا الإعراب ، ومذهب الكوفيين جواز البناء والإعراب فيه .

وأما إذا أضيف إلى جملة إسمية ، كما مثل من قوله : جئت يوم زيد أمير ، فالنقل عن البصريين تحتم الإعراب ، كما ذكر ، والنقل عن الكوفيين جواز الإعراب والبناء .

وذهب إليه بعض أصحابنا ، وهو الصحيح لكثرة شواهد البناء على ذلك .

ووقع في بعض تصانيف أصحابنا أنه يتحتم فيه البناء ، وهذا قول لم يذهب إليه أحد ، فهو وهم .

{ لا يخفى على الله منهم شيء } : أي من سرائرهم وبواطنهم .

قال ابن عباس : إذا هلك من في السموات ومن في الأرض ، فلم يبق إلا الله قال : { لمن الملك اليوم } ، فلا يجيبه أحد ، فيرد على نفسه : { لله الواحد القهار } .

وقال ابن مسعود : يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد بأرض بيضاء ، كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط ، فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد : { لمن الملك اليوم } ؟ فيجيبوا كلهم : { لله الواحد القهار } .

روي أنه تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعاً ، فيجيب نفسه بقوله : { لله الواحد القهار } ، فيجيب الناس ، وإنما خص التقرير باليوم ، وإن كان الملك له تعالى في ذلك اليوم وفي غيره ، لظهور ذلك للكفرة والجهلة ووضوحه يوم القيامة .