الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

قوله : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } : في " يوم " أربعةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه بدلٌ مِنْ " يوم التلاق " بدلُ كل مِنْ كل . الثاني : أَنْ ينتصِبَ بالتلاق أي : يقع التلاقي في يومِ بُروزِهم . الثالث : أنْ ينتصِبَ بقولِه : { لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ } ، ذكره ابنُ عطيةَ ، وهذا على أحدِ الأقوالِ الثلاثةِ في " لا " : هل يعملُ ما بعدَها فيما قبلها ؟ ثالثها : التفصيلُ بين أَنْ تقعَ جوابَ قسمٍ فيمتنعَ ، أو لا فيجوزَ . فيجوزُ هذا على قولين من هذه الأقوالِ . الرابع : أن ينتصِبَ بإضمار " اذكُرْ " . و " يومَ " ظرفٌ مستقبلٌ ك " إذا " . وسيبويه لا يرى إضافةَ الظرفِ المستقبلِ إلى الجمل الاسمية ، والأخفشُ يراه ، ولذلك قدَّر سيبويه في قولِه : { إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] ونحوهِ فعلاً قبل الاسم ، والأخفشُ لم يُقَدِّرْه ، وعلى هذا فظاهرُ الآيةِ مع الأخفش . ويُجاب عن سيبويه : بأنَّ " هم " ليس مبتدأ بل مرفوعاً بفعلٍ محذوفٍ يُفَسِّره اسمُ الفاعل أي : يومَ برزوا ، ويكون " بارِزون " خبرَ مبتدأ مضمر فلمَّا حُذِف الفعلُ انفصل الضميرُ فبقي كما ترى ، وهذا كما قالوا في قوله :

3916 لو بغيرِ الماءِ حَلْقي شَرِقٌ *** كُنْتُ كالغَصَّانِ بالماءِ اعتصاري

في أنَّ " حَلْقي " مرفوعُ فعلٍ يُفَسِّره " شَرِقٌ " لأنَّ " لو " لا يَليها إلاَّ الأفعالُ ، وكذا قولُه :

3917 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فهَلاَّ نَفْسُ لَيْلى شَفيعُها

لأنَّ " هَلاَّ " لا يَليها إلاَّ الأفعالُ ، فالمُفَسَّرُ في هذه المواضعِ أسماءٌ مُسْبَقَةٌ ، وهو نظيرُ " أنا زيداً ضاربُه " من حيث التفسيرُ . وحركة " يومَ هم " حركةُ إعرابٍ على المشهورِ . ومنهم مَنْ جَوَّزَ بناءَ الظرفِ ، وإنْ أضيف إلى فعلٍ مضارعٍ أو جملة اسميةٍ ، وهم الكوفيون . وقد وَهِم/ بعضُهم فحتَّم بناءَ الظرفِ المضافِ للجملِ الاسمية . وقد عَرَفْتَ ممَّا تقدَّمَ أنه لا يُبْنَى عند البصريين إلاَّ ما أُضيف إلى فعلٍ ماض ، كقولِه :

3918 على حينَ عاتَبْتَ المشيبَ على الصِّبا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

البيت . وقد تقدَّم هذا مستوفىً في آخره المائدة . وكتبوا " يومَ هم " هنا وفي الذاريات منفصلاً ، وهو الأصلُ .

قوله : " لا يَخْفَى " يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً ، وأَنْ تكونَ حالاً من ضميرِ " بارِزون " وأَنْ تكونَ خبراً ثانياً .