غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

1

وقوله { يوم هم بارزون } بدل من الأول . ومعنى البروز ما مر في آخر سورة إبراهيم في قوله { وبرزوا لله الواحد القهار } [ الآية : 48 ] وقوله { لا يخفى على الله منهم شيء } تأكيد لذلك وهذا ، وإن كان عاماً في جميع الأحوال وشاملاً للدنيا والآخرة إلا أنه خصص بالآخرة لأنهم في الدنيا كانوا يظنون أن بعض الأعمال تخفى على الله عند الاستتار بالحجب كما قال { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون } فهو نظير قوله

{ مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 3 ] ثم أكد تفرّده في ذلك اليوم بالحكم والقضاء بقوله { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } ولا ريب أن الكلام مشتمل على جواب وسؤال وليس في لفظ الآية ما يدل على تعيين السائل ولا المجيب . فقال جم من المفسرين ومن أرباب القلوب : إذا هلك كل من في السماوات ومن في الأرض يقول الرب تعالى : لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيبه أحد . فهو سبحانه يجيب عن نفسه فيقول : لله الواحد القهار . وأما الذين ألغوا صرف المعقول من أهل الأصول فقد أنكروا هذا القول إنكاراً شديداً لأنه تعالى بين أن هذا النداء في يوم التلاقي والبروز يوم تجزى كل نفس بما كسبت ، وكل هذا ينافي في كون الخلق هالكين وقتئذ ، ولأن التكلم من غير سامع ولا مجيب عبث إلا أن يكون هناك ملائكة يسمعون ذلك النداء لكن المفروض فناء كل المخلوقين ، فأما أن يكون حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به وذلك أن ينادي مناد فيقول : لمن الملك اليوم ؟ فيجيبه أهل المحشر لله الواحد القهار ، يقوله المؤمن تلذذاً والكافر هواناً وتحسراً على أن فاتتهم هذه المعرفة في الدنيا فإن الملك كان له من الأزل إلى الأبد . وفائدة تخصيص هذا النداء يوم القيامة كما عرفت في { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 3 ] يحكى أن نصر بن أحمد لما دخل نيسابور وضع التاج على رأسه ودخل عليه الناس فخطر بباله شيء فقال : هل فيكم من يقرأ آية ؟ فقرأ رجل روّاس { رفيع الدرجات ذو العرش } فلما بلغ قوله { لمن الملك اليوم } نزل الأمير عن سريره ورفع التاج عن رأسه وسجد لله تعالى وقال : لك الملك لا لي . فلما توفي الروّاس رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي وقال لي إنك عظمت ملكي في عين عبدي فلان يوم قرأت تلك الآية فغفرت لك وله . ومما يدل على تفرده سبحانه قوله { لله الواحد القهار } فإن كل واحد من الأسماء الثلاثة ينبئ عن غاية الجلال والعظمة كما مر مراراً ، وباقي الآية أيضاً مما سلف تفسيره مرات .

/خ22