وقوله { يوم هم بارزون } بدل من الأول . ومعنى البروز ما مر في آخر سورة إبراهيم في قوله { وبرزوا لله الواحد القهار } [ الآية : 48 ] وقوله { لا يخفى على الله منهم شيء } تأكيد لذلك وهذا ، وإن كان عاماً في جميع الأحوال وشاملاً للدنيا والآخرة إلا أنه خصص بالآخرة لأنهم في الدنيا كانوا يظنون أن بعض الأعمال تخفى على الله عند الاستتار بالحجب كما قال { ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون } فهو نظير قوله
{ مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 3 ] ثم أكد تفرّده في ذلك اليوم بالحكم والقضاء بقوله { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } ولا ريب أن الكلام مشتمل على جواب وسؤال وليس في لفظ الآية ما يدل على تعيين السائل ولا المجيب . فقال جم من المفسرين ومن أرباب القلوب : إذا هلك كل من في السماوات ومن في الأرض يقول الرب تعالى : لمن الملك اليوم ؟ فلا يجيبه أحد . فهو سبحانه يجيب عن نفسه فيقول : لله الواحد القهار . وأما الذين ألغوا صرف المعقول من أهل الأصول فقد أنكروا هذا القول إنكاراً شديداً لأنه تعالى بين أن هذا النداء في يوم التلاقي والبروز يوم تجزى كل نفس بما كسبت ، وكل هذا ينافي في كون الخلق هالكين وقتئذ ، ولأن التكلم من غير سامع ولا مجيب عبث إلا أن يكون هناك ملائكة يسمعون ذلك النداء لكن المفروض فناء كل المخلوقين ، فأما أن يكون حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به وذلك أن ينادي مناد فيقول : لمن الملك اليوم ؟ فيجيبه أهل المحشر لله الواحد القهار ، يقوله المؤمن تلذذاً والكافر هواناً وتحسراً على أن فاتتهم هذه المعرفة في الدنيا فإن الملك كان له من الأزل إلى الأبد . وفائدة تخصيص هذا النداء يوم القيامة كما عرفت في { مالك يوم الدين } [ الفاتحة : 3 ] يحكى أن نصر بن أحمد لما دخل نيسابور وضع التاج على رأسه ودخل عليه الناس فخطر بباله شيء فقال : هل فيكم من يقرأ آية ؟ فقرأ رجل روّاس { رفيع الدرجات ذو العرش } فلما بلغ قوله { لمن الملك اليوم } نزل الأمير عن سريره ورفع التاج عن رأسه وسجد لله تعالى وقال : لك الملك لا لي . فلما توفي الروّاس رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي وقال لي إنك عظمت ملكي في عين عبدي فلان يوم قرأت تلك الآية فغفرت لك وله . ومما يدل على تفرده سبحانه قوله { لله الواحد القهار } فإن كل واحد من الأسماء الثلاثة ينبئ عن غاية الجلال والعظمة كما مر مراراً ، وباقي الآية أيضاً مما سلف تفسيره مرات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.