في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

( غافر الذنب ) . . الذي يعفو عن ذنوب العباد ، بما يعلمه - سبحانه - من استحقاقهم للغفران .

( وقابل التوب ) . . الذي يتوب على العصاة ، ويتقبلهم في حماه ، ويفتح لهم بابه بلا حجاب .

( شديد العقاب )الذي يدمر على المستكبرين ويعاقب المعاندين ، الذين لا يتوبون ولا يستغفرون .

( ذي الطول ) . . الذي يتفضل بالإنعام ، ويضاعف الحسنات ، ويعطي بغير حساب .

( لا إله إلا هو ) . . فله الألوهية وحده لا شريك له فيها ولا شبيه .

إليه المصير . . فلا مهرب من حسابه ولا مفر من لقائه . وإليه الأوبة والمعاد .

وهكذا تتضح صلته بعباده وصلة عباده به . تتضح في مشاعرهم وتصوراتهم وإدراكهم ، فيعرفون كيف يعاملونه في يقظة وفي حساسية ؛ وفي إدراك لما يغضبه وما يرضيه .

وقد كان أصحاب العقائد الأسطورية يعيشون مع آلهتهم في حيرة ، لا يعرفون عنها شيئاً مضبوطاً ؛ ولا يتبينون ماذا يسخطها وماذا يرضيها ، ويصورونها متقلبة الأهواء ، غامضة الاتجاهات ، شديدة الانفعالات ، ويعيشون معها في قلق دائم يتحسسون مواضع رضاها ، بالرقى والتمائم والضحايا والذبائح ، ولا يدرون سخطت أم رضيت إلا بالوهم والتخمين !

فجاء الإسلام واضحاً ناصعاً ، يصل الناس بإلههم الحق ، ويعرفهم بصفاته ، ويبصرهم بمشيئته ويعلمهم كيف يتقربون إليه ، وكيف يرجون رحمته ، ويخشون عذابه ، على طريق واضح قاصد مستقيم .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

1

المفردات :

غافر الذنب : يغفر الذنب لمن تاب إليه ورجع إلى طاعته بعد معصيته .

قابل التوب : يقبل توبة التائب النادم .

شديد العقاب : لمن عصى الله وأعرض عن هديه .

ذي الطول : صاحب الغنى والسعة .

لا إله إلا هو : لا معبود بحق إلا الله .

إليه المصير : إليه مرجع الخلائق .

التفسير :

3- { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } .

من صفات الله المغفرة والستر على المذنبين ، وقبول توبة التائبين ، وهو سبحانه شديد العقاب لمن أعرض عنه ، وأصم أذنه عن سماع القرآن وألوان الهداية ، وهو سبحانه صاحب الفضل وجلائل النّعم ، فمن وجد الله وجد كل شيء ، ومن فقد الله فقد كل شيء ، وهو سبحانه واحد أحد ، فرد صمد ، متفرد بالألوهية ، متوحّد بالربوبية ، فلا معبود بحق إلا الله ، وإليه سبحانه المصير والمرجع ، فيحاسب العباد ويجازيهم على أعمالهم ، بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا .

قال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 ، 8 ) .

روى أن رجلا من أهل الشام ذا بأس كان يفد على عمر بن الخطاب ، فافتقده عمر ، فسأل عنه فقالوا : تتابع في الشراب ، فكتب عمر إليه كتابا قال فيه : أما بعد . . فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو : { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } . فجعل الرجل يقرأ الخطاب ، ثم بكى ونزع عن المعاصي وتاب إلى الله تعالى ، فقال عمر : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زلّ زلة فسددوه ووقفوه . وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

التوب والتوبة : معناهما واحد .

ذي الطَّول : ذي الفضل .

وهو الذي يغفر الذنبَ مهما جلّ ، ويقبل التوبة من عباده في كل آن ، فبابُه مفتوح دائما وأبدا ، فلا يقنط أحدٌ من ذلك . وهو شديد العقاب ، ومع هذا فهو صاحبُ الإنعام والفضل ، لا معبودَ بحقٍّ إلا هو ، إليه وحده المرجع والمآل .

وقد كثر في القرآن الكريم الجمع بين الوصفين كقوله تعالى : { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم } [ الحجر : 49-50 ] ليبقى الناسُ بين الرجاء والخوف ، ولكن الرحمة دائماً مقدَّمة على العذاب .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ غافر الذنب } لمن قال لا اله إلا الله { وقابل التوب } ممن قال لا اله إلا الله { شديد العقاب } لمن لم يقل لا إله إلا الله { ذي الطول } الغنى والسعة

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

ولما تقدم آخر تلك أن كلمة العذاب حقت على الكافرين ، فكان ذلك ربما أيأس من تلبس بكفر من الفلاح ، وأوهمه أن انسلاخه من الكفر غير ممكن ، وكان الغفران - وهو محو الذنب عيناً وأثراً - مترتباً على العلم به ، والتمكن من الغفران وما رتب عليه من الأوصاف نتيجة العزة ، دل عليهما مستعطفاً لكل عاص ومقصر بقوله : { غافر الذنب } أي بتوبة وغير توبة إن شاء ، وهذا الوصف له دائماً فهو معرفة . قال السمين : نص سيبويه على أن كل ما إضافته غير محضة جاز أن تجعل محضة وتوصف بها المعارف إلا الصفة المشبهة ، ولم يستثن الكوفيون شيئاً .

ولما أفهم تقديمه على التوبة أنه غير متوقف عليها فيما عدا الشرك ، وكان المشركون يقولون : قد أشركنا وقتلنا وبالغنا في المعاصي فلا يقبل رجوعنا فلا فائدة لنا في إسلامنا ، رغبهم في التوبة بذكرها وبالعطف بالواو الدالة على تمكن الوصف إعلاماً بأنه سبحانه لا يتعاظمه ذنب فقال : { وقابل التوب } وجرد المصدر ليفهم أن أدنى ما يطلق عليه الاسم كاف وجعله اسم جنس كأخواته أنسب من جعله بينها جمعاً كتمر وتمرة . ولما كان الاقتصار على الترغيب ربما أطمع عذر المتمادي من سطوته ، فقال معرياً عن الواو لئلا يؤنس ما يشعر به كل من العطف والصفة المشبهة من التمكن ، وذلك إعلاماً بخفي لطفه في أن رحمته سبقت غضبه ، وأنه لو أبدى كل ما عنده من العزة لأهلك كل من عليها كما أشير إليه بالمفاعلة في

{ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم }[ النحل : 61 ] فإن الفعل إذا كان بين اثنين كان أبلغ : { شديد العقاب * } على أن تنكيره وإبهامه - كما قال الزمخشري - للدلالة على فرط الشدة وعلى ما لا شيء أدهى منه وأمر ، لزيادة الإنذار وهي أخفى من دلالة الواو لو أوتي بها .

ولما أتم الترغيب بالعفو والترهيب من الأخذ ، أتبعه التشويق إلى الفضل ، فقال معرياً عن الواو لأن المقام لا يقتضي المبالغة ، والحذف غير مخل بالغرض فإن دليل العقل قائم على كمال صفاته سبحانه : { ذي الطول } أي سعة الفضل والإنعام والقدرة والغنى والسعة والمنة ، لا يماثله في شيء من ذلك أحد ولا يدانيه ، ثم علل تمكنه في كل شيء من ذلك بوحدانيته فقال : { لا إله إلا هو } ولما أنتج هذا كله تفرده ، أنتج قطعاً قوله : { إليه } أي وحده { المصير * } أي في المعنى في الدنيا ، وفي الحس والمعنى في الآخرة ، ليظهر كل من هذه الصفات ظهوراً تاماً ، بحيث لا يبقى في شيء من ذلك لبس ، فإنه لا يصح في الحكمة أن يبغي أحد على العباد ثم يموت في عزة من غير نقمة فيضيع ذلك المبغي عليه ، لأن هذا أمر لا يرضى أقل الناس أن يكون بين عبيده .