في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

ومن تلك اللفتة إلى آفاق الكون الكبير ، ينتقل إلى لمسة في أنفس العباد ؛ ويشير إلى آية الحياة القريبة منهم في أنفسهم وفي الأنعام المسخرة لهم :

( خلقكم من نفس واحدة . ثم جعل منها زوجها . وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج . يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث . ذلكم الله ربكم له الملك . لا إله إلا هو فأنى تصرفون ? ) .

وحين يتأمل الإنسان في نفسه . نفسه هذه التي لم يخلقها . والتي لا يعلم عن خلقها إلا ما يقصه الله عليه . وهي نفس واحدة . ذات طبيعة واحدة . وذات خصائص واحدة . خصائص تميزها عن بقية الخلائق ، كما أنها تجمع كل أفرادها في إطار تلك الخصائص . فالنفس الإنسانية واحدة في جميع الملايين المنبثين في الأرض في جميع الأجيال وفي جميع البقاع . وزوجها كذلك منها . فالمرأة تلتقي مع الرجل في عموم الخصائص البشرية - رغم كل اختلاف في تفصيلات هذه الخصائص - مما يشي بوحدة التصميم الأساسي لهذا الكائن البشري . الذكر والأنثى . ووحدة الإرادة المبدعة لهذه النفس الواحدة بشقيها .

وعند الإشارة إلى خاصية الزوجية في النفس البشرية ترد الإشارة إلى هذه الخاصية في الأنعام كذلك . مما يشي بوحدة القاعدة في الأحياء جميعاً :

( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) :

والأنعام الثمانية كما جاءت في آية أخرى : هي الضأن والمعز والبقر والإبل . من كل ذكر وأنثى . وكل من الذكر والأنثى يسمى زوجاً عند اجتماعهما . فهي ثمانية في مجموعها . . والتعبير يعبر عن تسخيرها للإنسان بأنه إنزال لها من عند الله . فهذا التسخير منزل من عنده . منزل من عليائه إلى عالم البشر . ومأذون لهم فيه من عنده تعالى .

ثم يعود - بعد هذه الإشارة إلى وحدة خاصية الزوجية في الناس والأنعام - إلى تتبع مراحل الخلق للأجنة في بطون أمهاتها :

( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق ) . .

من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام . إلى الخلق الواضح فيه عنصر البشرية .

( في ظلمات ثلاث ) . .

ظلمة الكيس الذي يغلف الجنين . وظلمة الرحم الذي يستقر فيه هذا الكيس . وظلمة البطن الذي تستقر فيه الرحم . ويد الله تخلق هذه الخلية الصغيرة خلقاً من بعد خلق . وعين الله ترعى هذه الخليقة وتودعها القدرة على النمو . والقدرة على التطور . والقدرة على الارتقاء . والقدرة على السير في تمثيل خطوات النفس البشرية كما قدر لها بارئها .

وتتبع هذه الرحلة القصيرة الزمن ، البعيدة الآماد ؛ وتأمل هذه التغيرات والأطوار ؛ وتدبر تلك الخصائص

العجيبة التي تقود خطى هذه الخلية الضعيفة في رحلتها العجيبة . . . في تلك الظلمات وراء علم الإنسان وقدرته وبصره . .

هذا كله من شأنه أن يقود القلب البشري إلى رؤية يد الخالق المبدع . رؤيتها بآثارها الحية الواضحة الشاخصة والإيمان بالوحدانية الظاهرة الأثر في طريقة الخلق والنشأة . فكيف يصرف قلب عن رؤية هذه الحقيقة ? :

( ذلكم الله ربكم له الملك . لا إله إلا هو . فأنى تصرفون ? ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

المفردات :

ثم جعل منها زوجها : حوّاء .

ثمانية أزواج : الإبل والبقر والغنم والمعز ، ولكل واحد من الأربعة ذكر وأنثى .

في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن ، والرحم ، والمشيمة .

التفسير :

3- { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذالكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون } .

خلقكم من نفس واحدة ، هي آدم عليه السلام ، وخلق من آدم حواء من قصيراه .

قال تعالى : { يا أبها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء . . . } ( النساء : 1 )

وخلق الله لنا من الأنعام ثمانية أزواج ، هي الإبل ، والبقر ، والغنم ، والماعز ، وخلق من كل صنف ذكرا وأنثى ، فالجمل والناقة ، والثور والبقرة ، والكبش والنعجة ، والتيس والمعزة .

{ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث . . . }

يخلق الإنسان والحيوان في بطن الأمهات ، خلقا متدرجا متطورا من حال إلى حال ، أي : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم يكسو العظام لحما ، فإذا هو إنسان كامل .

{ في ظلمات ثلاث . . . }

هي : ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة ، ثلاث أغشية يحفظ الله فيها الجنين ، حيث يكون في قرار مكين ، مستقرا في غشاء يحميه ويحافظ عليه ، حتى يتم الخلق وينزل وليدا إلى الحياة .

وبعد أن قدّم أدلة على الألوهية والوحدانية ، والقدرة البالغة ، والإدارة النافذة في خلق الكون وخلق الإنسان والحيوان ، أتبع ذلك بفذلكة أو نتيجة فقال : { ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون } .

هذا الإله القادر الخالق ، المبدع للكون والإنسان والحيوان ، هو الله ربكم وخالقكم ومالك الملك والمتصرف فيه ، خلقا وإيجادا ورعاية وحفظا ، لا إله سواه ، ولا شريك له ولا ندّ له ولا مثيل .

{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } . ( الشورى : 11 ) .

فكيف تصرفون عن طاعته وعبادته إلى طاعة الشيطان ، أو الكفر وعبادة الأوثان .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

{ خلقكم من نفس واحدة } يعني آدم عليه السلام { ثم جعل منها زوجها } حواء { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } مشروح في سورة الأنعام وقوله { خلقا من بعد خلق } أي نطفة ثم علقة ثم مضغة { في ظلمات ثلاث } ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة { فأنى تصرفون } عن عبادته إلى عبادة غيره بعد هذا البيان

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

قوله تعالى : " خلقكم من نفس واحدة " يعني آدم عليه السلام " ثم جعل منها زوجها " يعني ليحصل التناسل وقد مضى هذا في " الأعراف " وغيرها . " وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج " أخبر عن الأزواج بالنزول ، لأنها تكونت بالنبات والنبات بالماء المنزل . وهذا يسمى التدريج ، ومثله قوله تعالى : " قد أنزلنا عليكم لباسا " [ الأعراف : 26 ] الآية . وقيل : أنزل أنشأ وجعل . وقال سعيد بن جبير : خلق . وقيل : إن الله تعالى خلق هذه الأنعام في الجنة ثم أنزلها إلى الأرض ، كما قيل في قوله تعالى : " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " [ الحديد : 25 ] فإن آدم لما هبط إلى الأرض أنزل معه الحديد . وقيل : " وأنزل لكم من الأنعام " أي أعطاكم . وقيل : جعل الخلق إنزالا ؛ لأن الخلق إنما يكون بأمر ينزل من السماء . فالمعنى : خلق لكم كذا بأمره النازل . قال قتادة : من الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين كل واحد زوج . وقد تقدم هذا . " يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق " قال قتادة والسدي : نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما . ابن زيد : " خلقا من بعد خلق " خلقا في بطون أمهاتكم من بعد خلقكم في ظهر آدم . وقيل : في ظهر الأب ثم خلقا في بطن الأم ثم خلقا بعد الوضع ، ذكره الماوردي . " في ظلمات ثلاث " ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة . قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك . وقال ابن جبير : ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة الليل . والقول الأول أصح . وقيل : ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم . وهذا مذهب أبي عبيدة . أي لا تمنعه الظلمة كما تمنع المخلوقين . " ذلكم الله " أي الذي خلق هذه الأشياء " ربكم له الملك لا إله إلا هو " . " فأنى تصرفون " أي كيف تنقلبون وتنصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره . وقرأ حمزة : " إمهاتكم " بكسر الهمزة والميم . والكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم . الباقون بضم الهمزة وفتح الميم .