ثم قال تعالى : { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها } ، أي : من آدم عليه السلام وخلق حواء من ضلعه .
وإنما ذكر الخلق قبل حواء وهي قبلهم في الخلق ، لأن العرب ربما أخبرت عن رجل بفعلين . فترد الأول منهما على المعنى ( بثم ) إذا كان من{[58655]} خبر المتكلم يقال : قد بلغني ما كان منك اليوم ثم بما{[58656]} كان منك أمس أعجب{[58657]} .
وقيل معناه : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جل ذكره لما خلق آدم{[58658]} مسح ظهره وأخرج كل نسمة{[58659]} هي كائنة إلى يوم القيامة ثم أسكنه{[58660]} بعد ذلك الجنة ، ( فخلق بعد ذلك ){[58661]} حواء من ضلع من{[58662]} أضلاعه{[58663]} .
وقيل المعنى : خلقكم من نفس وحدها{[58664]} ثم جعل منها زوجها{[58665]} . ثم قال تعالى : { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } وهي المفسرة في سورة الأنعام : الإبل والضأن والمعز والبقر كل زوجين ذكر وأنثى{[58666]} .
وإنما أخبر عنها بالنزول ، لأنها إنما نشأت وتكونت بالنبات ، والنبات إنما نشأ وتكوّن بالمطر ، فالمطر هو المُنْزَلُ ، فأخبر عما اندرج وتكوّن منه بالإنزال . وهذا من التدريج وله نظائر كثيرة ، ومنه قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا }{[58667]} فاللباس لم ينزل لكنه تكوّن عما نبت بالمطر{[58668]} الذي هو مُنْزَلٌ ، فسمي ما تكوّن{[58669]} عن المطر : منزل{[58670]} .
ثم قال { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق } ، / أي : يبتدئ خلقكم في بطون أمهاتكم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ، ثم يكسو العظام لحما ثم ينشئه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ، هذا قول جماعة المفسرين{[58671]} إلا ابن زيد فإنه{[58672]} قال : معناه ، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد الخلق{[58673]} الأول في الأصلاب{[58674]} .
وقوله : { في ظلمات ثلاث } يعني به ظُلْمَةُ البطن{[58675]} وظلمة الرَّحم وظلمة المشيمة{[58676]} ، هذا قول جميع المفسرين إلا أبا عبيدة فإنه قال : هي{[58677]} ظلمة الصلب ثم ظلمة الرحم ثم ظلمة البطن{[58678]} .
ثم قال : { ذلكم الله ربكم } ذا : إِشارة إلى اسم الله جل ذكره ، والكاف والميم للمخاطبة .
والمعنى : الذي فعل هذه{[58679]} الأشياء ربكم لا الأوثان التي تعبدونها لا تضر{[58680]} ولا تنفع .
{ له الملك لا إله إلا هو } أي : لا ينبغي أن يكون معبودا سواه ، له ملك كل شيء .
{ فأنى تصرفون } ، أي : كيف تُصْرَف عقولكم عن هذا ومن أين تعدلون عن الحق بعد هذا البيان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.