معاني القرآن للفراء - الفراء  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

وقوله : { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها } : يقول القائل : كيف قال : { خَلَقَكُمْ } لبنى آدم . ثم قال : { ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها } والزوج مخلوق قبل الوَلد ؟ ففي ذلكَ وجهان من العربيّة :

أحدهما : أن العرب إذا أخبرت عن رَجل بفعلين رَدّوا الآخر بِثُمَّ إذا كان هو الآخر في المعْنى . وربّما جَعَلوا ( ثُمَّ ) فيما معناه التقديم وَيَجْعَلون ( ثم ) من خبر المتكلّم . من ذلكَ أن تقول : قد بلغني ما صنعت يَومك هذا ، ثمّ ما صَنعت أمس أعجبُ . فهذا نَسَق من خبر المتكلّم . وَتقول : قد أعطيتكَ اليوم شيئاً ، ثم الذي أعطيتك أمس أكثر ، فهذا من ذلكَ .

وَالوجه الآخر : أن تجعل خَلْقَه الزوج مردوداً على ( وَاحدة ) كأنه قال : خلقكم من نفسٍ وَحدها ، ثمّ جَعَل منها زوجها . ففي ( وَاحدةٍ ) مَعْنى خَلْقها وَاحدة .

قال : أنشدني بعض العرب :

أعددتَه للخَصْم ذى التعدّى *** كوّحتَه منك بُدون الجَهْد

ومعناه الذي إذا تعدى كوَّحتَه ، وكوَّحَته : غلبته .