غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ} (6)

1

قوله { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها } وهما آيتان أوّلهما تشعيب الخلق الفائت للحصر من نفس آدم ، والثانية خلق حوّاء من ضلعه . ومعنى " ثم " ترتيب الأخبار لأن الأولى عادة مستمرة دون الثانية إذ لم يخلق أنثى غير حوّاء من قصيري رجل فكانت أدخل في كونها آية وأجلب لعجب السامع . وقيل : هو متعلق بواحدة في المعنى كأنه قيل : خلقكم من نفس واحدة ثم شفعها الله بزوج منها . وقيل : إنه خلق آدم وأخرج ذريته من ظهره ثم ردهم إلى مكانهم ، ثم خلق بعد ذلك حوّاء . وقيل : " ثم " قد يأتي مع الجملة دالاً على التقدّم كقوله { ثم اهتدى } [ طه : 82 ] { ثم كان من الذين آمنوا } [ البلد : 17 ] وكقوله صلى الله عليه وسلم " فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير " السادس قوله { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } أما الأزواج فهي المذكورة في سورة الأنعام من الضأن اثنين الذكر والأنثى ، ومن المعز اثنين ، ومن الإبل اثنين ، ومن البقر اثنين . وأما وصفها بالإنزال فقيل : أنزلها من الجنة . وقيل : أراد إنزال ما هو سبب في وجودها وهو المطر الذي به قوام النبات الذي به يعيش الحيوان . وقيل : أنزل بمعنى قضى وقسم لأن قضاياه وقسمه مكتوبة في اللوح ومن هناك ينزل . وفي هذه العبارة نوع فخامة وتعظيم لإفادتها معنى الرفعة والاعتلاء ولهذا يقال : رفعت القضية إلى الأمير وإن كان الأمير في سرب . وخصت هذه الأزواج بالذكر لكثرة منافعها من اللبن واللحم والجلد والشعر والوبر والركوب والحمل والحرث وغير ذلك . السابع قوله { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق } والمقصود ذكر تخليق الحيوان على الإطلاق بعد ذكر تخليق الإنسان والأنعام ، إلا أنه غلب أولي العقل لشرفهم . ويحتمل أن يكون ذكر الإنعام اعتراضاً حسن موقعه ذكر الأزواج بعد قوله { جعل منها زوجها } ليعلم أن كل حيوان ذو زوج وترتيب التخليق مذكور مراراً كقوله { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } [ المؤمنون :12 ] إلى قوله { أحسن الخالقين } [ المؤمنون : 14 ] والظلمات الثلاث : البطن والرحم والمشيمة ، أو الصلب والرحم والبطن . { ذلكم } الذي هذه أفعاله { ربكم له الملك } وقد مر إعرابه في " فاطر " . { لا إله إلا هو } إذ لا موصوف بهذه الصفات إلا هو { فأنى تصرفون } أي كيف يعدل بكم عن طريق الحق بعد هذا البيان ؟