في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

30

وإذا دعوا إلى إنفاق شيء من مالهم لإطعام الفقراء : قالوا ساخرين متعنتين :

( أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ? ) . .

وتطاولوا على من يدعونهم إلى البر والإنفاق قائلين :

( إن أنتم إلا في ضلال مبين ) !

وتصورهم للأمر على هذا النحو الآلي يشي بعدم إدراكهم لسنن الله في حياة العباد . فالله هو مطعم الجميع ، وهو رازق الجميع . وكل ما في الأرض من أرزاق ينالها العباد هي من خلقه ، فلم يخلقوا هم لأنفسهم منها شيئاً ، وما هم بقادرين على خلق شيء أصلاً . ولكن مشيئة الله في عمارة هذه الأرض اقتضت أن تكون للناس حاجات لا ينالونها إلا بالعمل والكد ؛ وفلاحة هذه الأرض ؛ وصناعة خاماتها ؛ ونقل خيراتها من مكان إلى مكان ، وتداول هذه الخيرات وما يقابلها من سلعة أو نقد أو قيم تختلف باختلاف الزمان والمكان . كما اقتضت أن يتفاوت الناس في المواهب والاستعدادات وفق حاجات الخلافة الكاملة في هذه الأرض . وهذه الخلافة لا تحتاج إلى المواهب والاستعدادات المتعلقة بجمع المال والأرزاق وحدها ، إنما تحتاج إلى مواهب واستعدادات أخرى قد تحقق ضرورات أساسية لخلافة الجنس الإنساني في الأرض ، بينما يفوتها جمع المال والأرزاق ويعوزها !

وفي خلال هذا الخضم الواسع لحاجات الخلافة ومطالبها ، والمواهب والاستعدادات اللازمة لها ، وما يترتب على هذه وتلك من تداول للمنافع والأرزاق ، وتصارع وتضارب في الأنصبة والحظوظ . . في خلال هذا الخضم الواسع المترابط الحلقات لا في جيل واحد ، بل في أجيال متعددة قريبة وبعيدة ، ماضية وحاضرة ومستقبلة . . في خلال هذا الخضم تتفاوت الأرزاق في أيدي العباد . . ولكي لا ينتهي هذا التفاوت إلى إفساد الحياة والمجتمع ، بينما هو ناشىء أصلاً من حركة الحياة لتحقيق خلافة الإنسان في الأرض ، يعالج الإسلام الحالات الفردية الضرورية بخروج أصحاب الثراء عن قدر من مالهم يعود على الفقراء ويكفل طعامهم وضرورياتهم . وبهذا القدر تصلح نفوس كثيرة من الفقراء والأغنياء سواء . فقد جعله الإسلام زكاة . وجعل في الزكاة معنى الطهارة . وجعلها كذلك عبادة . وألف بها بين الفقراء والأغنياء في مجتمعه الفاضل الذي ينشئه على غير مثال .

فقولة أولئك المحجوبين عن إدراك حكمة الله في الحياة : ( أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ? ) . . وتطاولهم على الداعين إلى الإنفاق بقولهم : ( إن أنتم إلا في ضلال مبين ) . . إن هو إلا الضلال المبين الحقيقي عن إدراك طبيعة سنن الله ، وإدراك حركة الحياة ، وضخامة هذه الحركة ، وعظمة الغاية التي تتنوع من أجلها المواهب والاستعدادات ، وتتوزع بسببها الأموال والأرزاق .

والإسلام يضع النظام الذي يضمن الفرص العادلة لكل فرد ، ثم يدع النشاط الإنساني المتنوع اللازم للخلافة في الأرض يجري مجراه النظيف . ثم يعالج الآثار السيئة بوسائله الواقية .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

45

47 { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } .

كان أهل مكة على جانب كبير من الغنى والجاه والمال ، ولهم تجارة رابحة تتحرك إلى صيفا وإلى اليمن شتاء ، ومع ذلك حافظوا على التكبّر والعتوّ ، والاستزادة من الخمر والمتعة ، والزهد في ثواب الآخرة ، وإذا قيل لهم : أخرجوا شيئا من المال للفقراء والمساكين ، وأطمعوا الجائع واكسوا العاري واقضوا حاجة المحتاجين ، رفضوا ذلك وتعللوا بأن الله هو الذي أفقر هؤلاء الفقراء ، ولو الله لأطعمهم ، فنحن ننفذ مشيئة الله ولا نطعمهم ، وهذه أفكار ضالة ، لأن الله تعالى له حكمة ، حيث أغنى بعض عباده ، وأفقر بعضهم ، وحثّ الأغنياء على العطف ، وإخراج الزكاة والصدقة للفقراء ، وبذلك يصبح المال وسيلة للتعاون والتراحم والترابط ، ونشر المودة والرحمة ، فالله تعالى أفقر وأغنى ، ولكنه ذم البخل والشح .

قال تعالى : { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الحشر : 9 ] .

وحث القرآن على الصدقة ، وأمر بالزكاة ، وحث على مساعدة الفقراء واليتامى والمساكين ، ورعاية الجار وصلة الرحم ، وبذلك أصبح للفقير حق معلوم من الزكاة والصدقة والمساعدة ، وأصبح الغنى موظفا في ماله ، يتاجر ويربح لكنه مطالب بالزكاة ، وبسدّ حاجة المحتاجين إذا لم تكف الزكاة .

وعن ابن عباس : كان بمكة زنادقة ، فإذا أُمروا بالصدقة على المساكين قالوا : لا والله ، أيفقرهم الله ونطعمهم نحن ؟ !

وورد في كتب التفسير من أسباب نزول هذه الآية روايات ، منها ما يأتي :

روى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يطعم مساكين المسلمين ، فلقيه أبو جهل ، فقال له يا أبا بكر ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء ؟ قال : نعم ، قال : فما باله لم يطعمهم ؟ قال أبو بكر : ابتلى سبحانه قوما بالفقر ، وقوما بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر ، وأمر الأغنياء بالإعطاء ، فقال أبو جهل : والله يا أبا بكر إن أنت إلا في ظلال ، أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء وهو لا يطعمهم ، ثم تطعمهم أنت ؟ فنزلت هذه الآية

وقيل : كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين ، قال له : اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك ، ثم يقول : قد منعه الله فأطعمه أنا18 .