إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله } أي أعطاكُم بطريق التَّفضلِ والإنعام من أنواع الأموالِ عبَّر عنها بذلك تحقيقاً للحقِّ وترغيباً في الإنفاق على منهاج قولِه تعالى : { وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ } [ سورة القصص ، الآية77 ] وتنبيهاً على عِظَمِ جنايتهم في تركِ الامتثالِ بالأمر ، وكذلك من التبعيضية أي إذا قيل لهم بطريق النصيحة أنفقُوا بعض ما أعطاكم الله تعالى من فضله على المحتاجين فإنَّ ذلك ممَّا يردُّ البلأَ ويدفعُ المكاره { قَالَ الذين كَفَرُواْ } بالصَّانعِ عزَّ وجلَّ وهم زنادقةٌ كانُوا بمكَّةَ { لِلَّذِينَ آمَنُواْ } تهكُّماً بهم وبما كانُوا عليه من تعليق الأمورِ بمشيئةِ الله تعالى { أَنُطْعِمُ } حسبما تعظوننا به { مَن لوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ } أي على زعمِكم . وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُمَا : كان بمكَّةَ زنادقُة إذا أُمروا بالصَّدقةِ على المساكين قالوا لا والله أيُفقره الله ونُطعمه نحنُ . وقيل قالَه مُشركو قُريشٍ حين استطعمهم فقراءُ المؤمنين من أموالهم التي زعمُوا أنَّهم جعلُوها لله تعالى من الحارث والأنعامِ يُوهمون أنَّه تعالى لما لم يشأْ إطعامَهم وهو قادرٌ عليه فنحن أحقُّ بذلك ، وما هو إلا لفرطِ جهالتِهم فإنَّ الله تعالى يُطعم عبادَه بأسبابٍ من جُملتها حثُّ الأغنياءِ على إطعامِ الفُقراء وتوفيقُهم لذلك . { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضلال مُّبِينٍ } حيثُ تأمروننا بما يُخالف مشيئةَ الله تعالى . وقد جُوِّزَ أنْ يكونَ جواباً لهم من جهتِه تعالى أو حكايةً لجواب المُؤمنين لهم .