غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

45

ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق على أنهم خوطبوا بأدنى الدرجات في التعظيم والإشفاق ، فإن أدنى الانقياد الاتقاء من العذاب ، وأدنى الإشفاق هو إنفاق بعض ما في التصرف من مال الله ، فأين هم من معشر أقبلوا بالكلية على الله وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله ؟ وفي قوله :{ مما رزقكم الله } إشارة إلى أن الله تعالى قادر على إغناء الفقير وإعطائه ولكنه جعل الغني واسطة في الإنفاق على الفقير . فالسعيد من عرف حق التوسيط وانتهز فرصة الإمكان وعلم أن الإنفاق سبب للبركة في الحال ومجلبة للثواب في المآل . وقوله { قال الذين كفروا } دون أن يقول " قالوا " تسجيل عليهم بالكفر . وقوله { للذين آمنوا } مزيد تصوير لجهالتهم حين قالوا لهؤلاء الأشراف ما قالوا . وقوله { أنطعم } دون " أننفق " إظهار لغاية خستهم فإن الإطعام أدون من الإنفاق ومن بخل بالأدون فهو بأن يبخل بالأكثر أولى . وقوله { من لو يشاء الله أطعمه } كلام في نفسه حسن لكنهم ذكروه في معرض الدفع فلهذا استوجبوا الذم وقد بين الله خطأهم بقوله : { مما رزقكم الله } فإن من في خزائنه مال وله في يد الغير مال فإنه مخير إن أراد أعطى زيداً مما في خزائنه وإن شاء أعطاه مما في يد الغير وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ . وقوله : { إن أنتم إلا في ضلال مبين } بناء على ما اعتقدوه أن الأمر بالإنفاق ضائع ، لأنه سعي في إبطال مشيئة الله ولم يعلموا أن الضلال لا يتعدّاهم أيه سلكوا ، وذلك أنهم لم ينظروا إلى الأمر والطلب وبادروا إلى الاعتراض ، والطاعة هي اتباع الأمر لا الاستكشاف عن الغرض والغاية .

/خ83