فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله } أي تصدّقوا على الفقراء مما أعطاكم الله ، وأنعم به عليكم من الأموال ، قال الحسن : يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء . وقال مقاتل : إن المؤمنين قالوا لكفار قريش : أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله من أموالكم من الحرث والأنعام كما في قوله سبحانه : { وَجَعَلُواْ للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً } [ الأنعام : 136 ] ، فكان جوابهم ما حكاه الله عنهم بقوله : { قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } استهزاءً بهم ، وتهكماً بقولهم : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ } أي من لو يشاء الله رزقه ، وقد كانوا سمعوا المسلمين يقولون : إن الرّزّاق هو الله ، وأنه يغني من يشاء ، ويفقر من يشاء ، فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمسلمين ، وقالوا : نحن نوافق مشيئة الله ، فلا نطعم من لم يطعمه الله ، وهذا غلط منهم ومكابرة ، ومجادلة بالباطل ، فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه ، وأفقر بعضاً ، وأمر الغنيّ أن يطعم الفقير ، وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة . وقولهم : { مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ } هو وإن كان كلاماً صحيحاً في نفسه ، ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله ، أو إنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلاً . وقوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ } من تمام كلام الكفار . والمعنى : إنكم أيها المسلمون في سؤال المال ، وأمرنا بإطعام الفقراء لفي ضلال في غاية الوضوح والظهور . وقيل : هو من كلام الله سبحانه جواباً على هذه المقالة التي قالها الكفار . وقال القشيري والماوردي : إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة . وقد كان في كفار قريش وغيرهم من سائر العرب ، قوم يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع ، فقالوا هذه المقالة استهزاء بالمسلمين ومناقضة لهم . وحكى نحو هذا القرطبي عن ابن عباس .

/خ54