فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } : إشارة إلى أنهم أخلوا بجميع التكاليف ؛ لأن جملتها ترجع إلى أمرين : التعظيم لجانب الله ، والشفقة على خلق الله .

{ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللهُ } أي : تصدقوا على الفقراء مما أعطاكم الله وأنعم به عليهم من الأموال ، قال الحسن : يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء ، وقال مقاتل : إن المؤمنين قالوا لكفار قريش : أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله من أموالكم من الحرث والأنعام كما في قوله سبحانه

{ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } فكان جوابهم ما حكاه الله عنهم بقوله :

{ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا } : استهزاء بهم وتهكما بقولهم .

{ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللهُ أَطْعَمَهُ ؟ } أي : من لو يشاء الله رزقه ؟ وقد كانوا سمعوا المسلمين يقولون : إن الرازق هو الله ، وإنه يغني من يشاء ويفقر من يشاء ، فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمسلمين ، وقالوا : نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله وهذا غلط منهم ومكابرة ومجادلة بالباطل فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه وأفقر بعضا ابتلاء ، فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا ، وأعطى الدنيا للغني لا استحقاقا وأمر الغني أن يطعم الفقير وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة ولا اعتراض لأحد في مشيئة الله وحكمته في خلقه . والمؤمن يوافق أمر الله .

وقولهم : من لو يشاء الله أطعمه هو وإن كان كلاما صحيحا في نفسه ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله وإنكار جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلا .

{ إِنْ أَنتُمْ } في قولكم لنا ذلك مع معتقدكم هذا { إِلا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } أي : بين وهذا من تمام كلام الكفار ، والمعنى أنكم أيها المسلمون في سؤال المال وأمرنا بإطعام الفقراء لفي ضلال في غاية الوضوح والظهور ، وقيل : هو من كلام الله سبحانه جوابا على هذه المقالة التي قالها الكفار ، وقيل : هو من قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم :

وقال القشيري والماوردي : إن الآية نزلت في قوم من الزنادقة وقد كان في كفار قريش وغيرهم من سائر العرب قوم يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع فقالوا هذه المقالة استهزاء بالمسلمين ومناقضة لهم ، وحكى نحو هذا القرطبي عن ابن عباس ولهذا أظهر في مقام الإضمار قيل : كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين قال له : اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك ، ويقول : قد منعه الله أفأطعمه أنا{[1401]} .


[1401]:ذكر هذا المعنى الخازن في تفسيره.