الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (47)

وقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله } الآية ، الضميرُ في قوله { لَهُمْ } لقريشٍ ؛ وسبب الآيةِ أن الكفارَ لمَّا أسلمَ حواشِيهم مِنَ الموالي وغيرِهِمْ ، والمستضعفين ، قطعوا عنهم نَفَقَاتِهم وصِلاَتِهم ، وكان الأمرُ بمكةَ أوَّلاً فيه بعض الاتِّصَال في وقت نزول آيات المُوَادَعَةِ ، فَنَدَبَ أولئك المؤمنونَ قَرَابَاتِهم من الكفارِ ، إلى أَنْ يَصِلُوهُمْ ويُنْفِقُوا عليهم ، مِمَّا رَزَقَهُم اللَّه ؛ فقالوا عند ذلك : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ الله أَطْعَمَهُ } ، وقالتْ فرقة : سبب الآيةِ أنَّ قريشاً شَحَّتْ بِسَبَبِ أزمةٍ على المساكينِ جميعاً مُؤمن وَغَيْرِ مؤمن ، فَنَدَبَهُم النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى النَّفَقَةِ على المساكينَ ، وقولهُم يَحْتَمِلُ معنيين :

أحدهما يخرَّج على اختيارٍ لجُهَّالِ العَرَبِ ، فَقَد رُوِيَ : أن أعْرَابِيًّا كان يرعى إبله فيجعلُ السِّمَانَ في الْخِصْبِ ، والمَهَازِيلَ في المَكَانِ الجَدْبِ ، فقيل له في ذلك ؛ فقال : " أكْرِمُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ وأهين ما أهانَ اللَّهُ " ، فيخرَّج قولُ قريشٍ على هذا المعنى ، ومن أمثالهم : «كُنْ مَعَ اللَّهِ عَلَى المدبِرِ » .

والتأويل الثاني : أن يكونَ كلامُهم بمعنى الاسْتِهْزَاءِ بقول محمد عليه السلام إنَّ ثَمَّ إلها هو الرزَّاقُ ، فكأنهم قالوا : لِمَ لاَ يَرْزُقُهم إلهك الذي تزعم ؟ أي : نحن لا نطعم من لو يشاء هذا الإله الذي زعمْتَ لأطْعَمَهُ .

وقوله تعالى : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضلال مُّبِينٍ } يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ من قول الكَفَرَةِ للمؤمنين ، أي : في أمركم لنا بالنفقةِ ؛ وفي غير ذلكَ من دينكم ، ويحتملُ أن يكون من قولِ اللَّهِ تعالى للكفرةِ .