في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

وهم حين يؤمرون بنحرها باسم الله ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها )فإن اللحوم والدماء لا تصل إلى الله سبحانه . إنما تصل إليه تقوى القلوب وتوجهاتها - لا كما كان مشركو قريش يلطخون أوثانهم وآلهتهم بدماء الأضحيات على طريقة الشرك المنحرفة الغليظة !

( كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ) . . فقد هداكم إلى توحيده والاتجاه إليه وإدراك حقيقة الصلة بين الرب والعباد ، وحقيقة الصلة بين العمل والاتجاه .

( وبشر المحسنين ) . . الذين يحسنون التصور ، ويحسنون الشعور ، ويحسنون العبادة ، ويحسنون الصلة بالله في كل نشاط الحياة .

وهكذا لا يخطو المسلم في حياته خطوة ، ولا يتحرك في ليله أو نهاره حركة ، إلا وهو ينظر فيها إلى الله .

ويجيش قلبه فيها بتقواه ، ويتطلع فيها إلى وجهه ورضاه . فإذا الحياة كلها عبادة تتحقق بها إرادة الله من خلق العباد ، وتصلح بها الحياة في الأرض وهي موصولة السبب بالسماء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { لَن يَنَالَ اللّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلََكِن يَنَالُهُ التّقْوَىَ مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ اللّهَ عَلَىَ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ الْمُحْسِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ( لن ) يصل إلى الله لحوم بدنكم ولا دماؤها ، ولكن يناله اتقاؤكم إياه إن اتقيتموه فيها فأردتم بها وجهه وعملتم فيها بما ندبكم إليه وأمركم به في أمرها وعظمتم بها حرماته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قول الله : لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلَكِنْ يَنالُهُ التّقْوَى مِنْكُمْ قال : ما أريد به وجه الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلَكنْ يَنالُهُ التّقْوَى مِنْكُمْ قال : إن اتقيت الله في هذه البُدن ، وعملت فيها لله ، وطلبت ما قال الله تعظيما لشعائر الله ولحرمات الله ، فإنه قال : وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فإنّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ قال : وَمَنْ يُعَظّمْ حُرُماتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبّهِ قال : وجعلته طيبا ، فذلك الذي يتقبل الله . فأما اللحوم والدماء ، فمن أين تنال الله ؟

وقوله : كَذلكَ سَخّرَها لَكُمْ يقول : هكذا سخر لكم البُدن لِتُكُبّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ يقول : كي تعظموا الله على ما هداكم ، يعني على توفيقه إياكم لدينه وللنسك في حجكم . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لِتُكَبّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ قال : على ذبحها في تلك الأيام .

وَبَشّرِ المُحْسِنِينَ يقول : وبشّر يا محمد الذين أطاعوا الله فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا بالجنة في الاَخرة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

{ لن ينال الله } لن يصيب رضاه ولني قع منه موقع القبول . { لحومها } المتصدق بها . { ولا دماؤها } المهراقة بالنحر من حيث إنها لحوم ودماء . { ولكن يناله التقوى منكم } ولكن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم التي تدعوكم إلى تعظيم أمره تعالى والتقريب إليه والإخلاص له ، وقيل كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا القرابين لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله تعالى فهم به المسلمون فنزلت . { كذلك سخرها لكم } كرره تذكيرا للنعمة وتعليلا له بقوله : { لتكبروا الله } أي لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر عليه غيره فتوحدوه بالكبرياء . وقيل هو التكبير عند الإحلال أو الذبح . { على ما هداكم } أرشدكم إلى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها ، و { ما } تحتمل المصدرية والخيرية و { على } متعلقة ب { لتكبروا } لتضمنه معنى الشكر . { وبشر المحسنين } المخلصين فيما يأتونه ويذرونه .