فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

{ لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا } أي لن يصعد إليه ولا يبلغ رضاه ولا يقع موقع القبول منه لحوم هذه الإبل التي تتصدّقون بها ولا دماؤها التي تنصب عند نحرها من حيث إنها لحوم ودماء { ولكن يَنَالُهُ } أي يبلغ إليه تقوى قلوبكم ، ويصل إليه إخلاصكم له وإرادتكم بذلك وجهه ، فإن ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه . وقيل : المراد : أصحاب اللحوم والدماء ، أي : لن يرضى المضحون والمتقرّبون إلى ربهم باللحوم والدماء ، ولكن بالتقوى . قال الزجاج : أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به ، وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول ، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال : قد ناله ووصل إليه ، فخاطب الله الخلق كعادتهم في مخاطبتهم { كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ } كرّر هذا للتذكير ، ومعنى { لِتُكَبّرُوا الله على مَا هَدَاكُمْ } هو قول الناحر : الله أكبر عند النحر ، فذكر في الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها . وذكر هنا التكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير . وقيل : المراد بالتكبير : وصفه سبحانه بما يدلّ على الكبرياء ، ومعنى { على مَا هَدَاكُمْ } : على ما أرشدكم إليه من علمكم بكيفية التقرّب بها ، و«ما » مصدرية ، أو موصولة { وَبَشّرِ المحسنين } قيل : المراد بهم : المخلصون . وقيل : الموحدون . والظاهر أن المراد بهم : كل من يصدر منه من الخير ما يصح به إطلاق اسم المحسن عليه .

/خ37