فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

{ لَن يَنَالَ اللَّهَ } أي لن يصعد ولا يرفع إليه ولا يبلغ رضاه لا يقع موقع القبول منه { لُحُومُهَا } التي تتصدقون بها { وَلَا دِمَاؤُهَا } التي تنصب عند نحرها من حيث أنها لحوم ودماء .

{ وَلَكِن يَنَالُهُ } أي يبلغ إليه { التَّقْوَى مِنكُمْ } أي تقوى قلوبكم ويصل إليه إخلاصكم له في العمل الصالح وإرادتكم بذلك وجهه مع الإيمان ، فإن ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه .

وقيل المراد أصحاب اللحوم والدماء ، أي لن يرضى المضحون والمتقربون إلى ربهم باللحوم والدماء ولكن بالتقوى .

قال الزجاج : أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به . وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول ، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال قد ناله ووصل إليه ، فخاطب الله الخلق كعادتهم في مخاطبتهم .

قال ابن عباس : " كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء ، فينضحون بها نحو الكعبة ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فأنزل الله { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا } ، وعن ابن جريج نحوه .

{ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ } كرر هذا للتذكير { لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ } هو قول الناحر الله أكبر عند النحر فذكر في الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها . وذكر هنا للتكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير وقيل المراد بالتكبير وصفه سبحانه بما يدل على الكبرياء .

ومعنى { عَلَى مَا هَدَاكُمْ } على ما أرشدكم إليه من علمكم بكيفية التقرب بها و { ما } مصدرية أو موصولة { وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } قيل المراد بهم المخلصون ، وقيل الموحدون ، والظاهر أن المراد بهم كل من يصدر منه من الخير ما يصح به إطلاق اسم المحسن عليه .