اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

قوله : { لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا } العامة على القراءة بياء الغيبة في الفعلين ، لأن التأنيث مجازي ، وقد وجد الفصل بينهما{[31281]} . وقرأ يعقوب بالتاء فيهما اعتباراً باللفظ {[31282]} .

وقرأ زيد بن عليّ { لُحُومَهَا وَلاَ دِمَاءَها } بالنصب والجلالة بالرفع ، «وَلكِنْ يُنَالُهُ » بضم الياء{[31283]} على أن القائم مقام الفاعل «التَّقْوَى » . و «مِنْكُم » حال من التقوى ، ويجوز أن يتعلق بنفس «يناله » .

فصل

لما كانت عادة الجاهلية إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله عزَّ وجلَّ{[31284]} فأنزل الله هذه الآية { لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا }{[31285]} . قال مقاتل : لن يرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها . { ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ } أي ولكن يرفع إليه منكم الأعمال الصالحة ، وهي التقوى والإخلاص وما أريد به وجه الله {[31286]} .

فصل{[31287]}

قالت المعتزلة : دلَّت هذه الآية على أمور :

أحدها : أن الذي ينتفع به فعله دون الجسم الذي ينحره .

وثانيها : أنه سبحانه غني عن كل ذلك وإنما{[31288]} المراد أن يجتهد العبد في امتثال أمره .

وثالثها : أنه لما لم ينتفع بالأجسام التي هي اللحوم والدماء وانتفع بتقواه ، وجب أن يكون تقواه فعلاً له ، وإلا كان تقواه بمنزلة اللحوم .

ورابعها : أنه لما شرط القبول بالتقوى ، وصاحب الكبيرة غير مُتَّقٍ ، فوجب أن لا يكون عمله مقبولاً وأنه لا ثواب له .

والجواب : أما الأولان فحقان ، وأما الثالث فمعارض بالداعي والعلم .

وأما الرابع : فصاحب الكبيرة وإن لم يكن متقياً مطلقاً ، ولكنه مُتَّقٍ فيما أتى به من الطاعة على سبيل الإخلاص ، فوجب أن تكون طاعته مقبولة ، وعند هذا تنقلب الآية حجة عليهم .

قوله : «كَذَلِكَ سَخَّرهَا » الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر «وَلِتُكَبِّرُوا » متعلق به أي إنما سخرها كذلك{[31289]} لتكبروا الله ، وهو التعظيم بما يفعله عند النحر وقبله وبعده . و { على مَا هَدَاكُمْ } متعلق بالتكبير ، عُدِّي بعلى لتضمنه معنى الشكر على ما هداكم أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه ، وهو أن يقول : الله{[31290]} أكبر ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا ، ثم قال بعده على سبيل الوعد لمن امتثل أمره «وَبَشِّر المُحْسِنِيْن » كما قال من قبل «وَبَشِّر المُخْبِتِيْن » قال ابن عباس : المحسنين الموحدين{[31291]} . والمحسن{[31292]} الذي يفعل الحسن من الأعمال فيصير محسناً إلى نفسه بتوفير الثواب عليه {[31293]} .


[31281]:انظر معاني القرآن للفراء 2/227، البيان 2/176، التبيان 2/943، الإتحاف (315).
[31282]:انظر البيان 2/176، التبيان 2/943، الإتحاف (315).
[31283]:انظر البحر المحيط 6/370.
[31284]:في ب: الله تعالى.
[31285]:انظر البغوي 5/590.
[31286]:انظر البغوي 5/590.
[31287]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/38.
[31288]:إنما: سقط من ب.
[31289]:في ب: لذلك.
[31290]:في النسختين: اللهم.
[31291]:انظر البغوي 5/591.
[31292]:في الأصل: والمحسنين. وهو تحريف.
[31293]:انظر الفخر الرازي 23/38.