فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

{ لن ينال الله لحموها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } ما يريد ربنا القدوس من عباده رزقا فهو الرزاق ، ولا يبتغي منهم طعاما فهو سبحانه يطعم ولا يطعم ، ولا ينظر إلى الصور التي كان يفعل المشركون من تلطيخ الكعبة بدماء الذبائح ، وتشريح اللحم ونصبه حولها ؛ { ولكنه يناله التقوى منكم } فربنا جل علاه يرفع العمل الصالح{[2252]} ؛ وفي الحديث الصحيح : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وإلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ؛ فلن يصيب رضا الله أصحاب اللحوم والدماء المهراقة بمجرد الذبح والتصدق ، إنما يحب الله مع ذلك أن يكون القربان حلالا مجزيا . ثم صرف فيما أمر سبحانه ؛ والنيل لا يتعلق بالبارئ تعالى ، ولكنه عبر عنه تعبيرا مجازيا عن القبول ، . . . ابن عيسى : لن يقبل لحومها ولا دماءها ، ولكن يصل إليه التقوى منكم ؛ أي ما أريد به وجهه ، فذلك الذي يقبله ويرفع إليه ، ويسمعه ويثيب عليه . . . { كذلك سخرها لكم } من سبحانه علينا بتذليلها وتمكيننا من تصريفها وهي أعظم منا أبدانا وأقوى منا أعضاء ، ذلك ليعلم العبد أن الأمور ليست على ما يظهر إلى العبد من التدبير ، وإنما هي بحسب ما يريدها العزيز القدير ، فيغلب الصغير الكبير ، ليعلم الخلق أن الغالب هو الله القهار فوق عباده ، . . . . . . . { لتكبروا الله على ما هداكم } شرع سبحانه ذكر اسمه عليها في الآية قبلها فقال عز من قائل : { فاذكروا اسم الله عليها } وذكر هنا التكبير . . وفي الصحيح عن أنس قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين{[2253]} أقرنين ؛ قال : ورأيته يذبحهما بيده . . . وسمى وكبر . . . ذهب الجمهور إلى قول المضحي : اللهم تقبل مني ؛ جائز ؛ وكره ذلك أبو حنيفة ؛ والحجة عليه ما رواه الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ، وفيه : ثم قال : " باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " ثم ضحى به . . {[2254]} ؛ { وبشر المحسنين } بشرى للمحسنين بطيب المآب وحسن الثواب ، جاءتنا من الكريم الوهاب ، وبلغها من أنزل عليه الكتاب ، صلى عليه ربنا وسلم ؛ ولقد علمنا أن الإحسان أن نعبد الله تعالى كأننا نراه ، فإن لم نكن نراه فإنه يرانا ، ويسمع سرنا ونجوانا ، فبشرى لمن صدق بالحسنى ، وأعطى ابتغاء وجه ربه الأعلى ، وأتم ما أمر به على خير ما يحب المولى ويرضى .


[2252]:وجاء في الحديث: "إن الصدقة لتقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض".
[2253]:الأملح؛ الذي بياضه أكثر من سواده؛ وقيل النقي البياض.
[2254]:ما بين العارضتين من الجامع لأحكام القرآن.