الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (37)

قوله تعالى : { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها }[ 35 ] إلى قوله : { إن الله لقوي عزيز }[ 38 ] .

أي : لن يصل إلى الله لحوم هديكم ، ولا دماؤكم ولكن يناله اتقاؤكم إياه وأرادتكم بها وجهه وتعظيمكم حرماته . وتقديره : لن يتقبل الله لحوم هديكم ولا دماؤها ، وإنما يتقبل إخلاصكم لله وتعظيمكم لحرماته .

وقيل : المعنى : لن يبلغ رضا الله لحومها ولا دماؤها ولا يرضيه ذلك عنكم ، ولكن يبلغ رضاه التقوى منكم ، ويرضيه ذلك عنكم .

وفي الكلام مجاز وتوسع ، إذا أتى ( لن ينال الله ) في موضع لن يبلغ رضا الله وحَسُنَ ذلك ، لأن كل من نال شيئا فقد بلغه .

وقال ابن عباس{[46967]} : كانوا في الجاهلية ينضحون بدم البدن ما حول البيت ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله الآية ؟

ثم قال : { كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم }[ 35 ] .

أي : هكذا سخر لكم البدن لكي تعظموا الله على توفيقه لكم{[46968]} لدينه والنسك في حجكم .

وقيل : معناه : لتكبروا الله على ذبحكم في الأيام المعلومات .

{ ولشر المخبتين } أي : وبشر يا محمد الذين أطاعوا الله فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا بالجنة إلى الآخرة .

أي : يصرف عن المؤمنين مرة بعد مرة غائلة المشركين وما يريدون بالمؤمنين . فيكون ( يدافع ) على معنى : تكرير الفعل من الله ، لا على معنى مدافعة اثنين . وهذا كقوله{[46969]} : فيضاعفه له : فيفاعل للتكرير{[46970]} . أي : يضعف له مرة بعد مرة ، لا أن ثم فاعلين مثل : قاتل .

ومن قرأ{[46971]} . يَدْفَعُ{[46972]} : أراد مرة واحدة . وعدل من يفاعل ، لأن أكثر باب المفاعلة أن يكون من اثنين ، والله تعالى ذكره ، لا يمانعه شيء .

وقيل : معناه : أن الله يدفع عن المؤمنين شدائد الآخرة وكثيرا من شدائد الدنيا .


[46967]:انظر: تفسير القرطبي 12/65 وزاد المسير 5/434 والدر المنثور 4/363.
[46968]:ز: إياكم.
[46969]:ز: وهكذا. (تحريف).
[46970]:للتكثير.
[46971]:فرأ ابن كثير وأبو عمرو (يدفع) بفتح الياء وإسكان الدال من غير ألف، والباقون بضم الياء وفتح الدال وألف بعدها وكسر الفاء. انظر: التيسير: 157 والكشف 2/119.
[46972]:ز: يدافع. (تحريف).