ويستمر السياق في تحذير الذين يؤذون النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في نفسه أو في أهله ؛ وفي تفظيع الفعلة التي يقدمون عليها . . وذلك عن طريقين : الطريق الأولى تمجيد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وبيان مكانته عند ربه وفي الملأ الأعلى . والطريق الثانية تقرير أن إيذاءه إيذاء لله - سبحانه - وجزاؤه عند الله الطرد من رحمته في الدنيا والآخرة ، والعذاب الذي يناسب الفعلة الشنيعة : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي . يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) . .
وصلاة الله على النبي ذكره بالثناء في الملأ الأعلى ؛ وصلاة ملائكته دعاؤهم له عند الله سبحانه وتعالى . ويا لها من مرتبة سنية حيث تردد جنبات الوجود ثناء الله على نبيه ؛ ويشرق به الكون كله وتتجاوب به أرجاؤه . ويثبت في كيان الوجود ذلك الثناء الأزلي القديم الأبدي الباقي . وما من نعمة ولا تكريم بعد هذه النعمة وهذا التكريم . وأين تذهب صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه ، وصلاة الملائكة في الملأ الأعلى وتسليمهم ؛ إنما يشاء الله تشريف المؤمنين بأن يقرن صلاتهم إلى صلاته وتسليمهم إلى تسليمه ؛ وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم الأزلي القديم .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النّبِيّ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ صَلّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً } .
يقول تعالى ذكره : إن الله وملائكته يبرّكون على النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم ، كما :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ على النّبِيّ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ يقول : يباركون على النبيّ .
وقد يحتمل أن يقال : إن معنى ذلك : أن الله يرحم النبيّ ، وتدعو له ملائكته ويستغفرون ، وذلك أن الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء . وقد بيّنا ذلك فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته .
يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا ادعوا لنبيّ الله محمد صلى الله عليه وسلم وَسَلّمُوا عَلَيْهِ تَسْلِيما يقول : وحيوه تحية الإسلام . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه ، قال : أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمعت الله يقول : إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ . . . الاَية ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : «قُلِ : اللّهُمّ صَلّ على مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراَهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ ، كمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » .
حدثني جعفر بن محمد الكوفي ، قال : حدثنا يعلى بن الأجلح ، عن الحكم بن عُتيبة ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيلى ، عن كعب بن عُجرة ، قال : لما نزلت : إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ يا أيها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيما قمت إليه ، فقلت : السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال : «قُلِ اللّهُمّ صَلّ على مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ ، إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ ، كمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا مالك بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو إسرائيل ، عن يونس بن خباب ، قال : خطبنا بفارس فقال : إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ . . . الاَية ، فقال : أنبأني من سمع ابن عباس يقول : هكذا أنزل ، فقلنا : أو قالوا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : «اللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْرَاهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ ، إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمّدٍ ، كمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد ، عن إبراهيم في قوله إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ . . . الاَية ، قالوا : يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال : قولوا : «اللّهُمّ صَلّ عَلى مَحَمّدٍ عَبْدِدَكَ وَرَسُولِكَ وأهْلِ بَيْتِهِ كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ إنّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » .
حدثني يعقوب الدورقي ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود الأنصاري ، قال : لما نزلت : إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيما قالوا : يا رسول الله هذا السلام قد عرفناه ، فكيف الصلاة ، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : «قولوا : اللّهُمّ صَلّ عَلى مُحَمّدٍ كمَا صَلّيْتَ عَلى آلِ إبْراهِيمَ ، اللّهُمّ بارِكْ عَلى مُحَمّدٍ كمَا بارَكْتَ على آلِ إبْراهِيمَ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلى النّبِيّ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيما قال : لما نزلت هذه الاَية قالوا : يا رسول الله قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ قال : «قولوا : اللّهُمّ صَلّ على مُحَمّدٍ ، كمَا صَلّيْتَ عَلى إبْرَاهِيمَ ، وَبارِكْ عَلى مُحَمّدٍ كمَا بارَكْتَ عَلى إبْرَاهِيمَ » وقال الحسن : «اللهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد ، كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد » .
{ إن الله وملائكته يصلون على النبي } يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه . { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } اعتنوا انتم أيضا فإنكم أولى بذلك وقولوا اللهم صل على محمد . { وسلموا تسليما } وقولوا السلام عليك أيها النبي وقيل وانقادوا لأوامره ، والآية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة ، وقيل تجب الصلاة كلما جرى ذكره لقوله عليه الصلاة والسلام " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي " وقوله " من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله " ، وتجوز الصلاة على غيره تبعا . وتكره استقلالا لأنه في العرف صار شعارا لذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك كره أن يقال محمد عز وجل وان كان عزيزا وجليلا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.