في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

49

وفي النهاية يأتي تهديد المنافقين ومرضى القلوب والمرجفين الذي ينشرون الشائعات المزلزلة في صفوف الجماعة المسلمة . . تهديدهم القوي الحاسم ، بأنهم إذا لم يرتدعوا عما يأتونه من هذا كله ، وينتهوا عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات ، والجماعة المسلمة كلها ، أن يسلط الله عليهم نبيه ، كما سلطه على اليهود من قبل ، فيطهر منهم جو المدينة ، ويطاردهم من الأرض ؛ و يبيح دمهم فحيثما وجدوا أخذوا وقتلوا . كما جرت سنة الله فيمن قبلهم من اليهود على يد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وغير اليهود من المفسدين في الأرض في القرون الخالية :

( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ، ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ؛ ملعونين ، أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا . سنة الله في الذين خلوا من قبل . ولن تجد لسنة الله تبديلا ) . .

ومن هذا التهديد الحاسم ندرك مدى قوة المسلمين في المدينة بعد بني قريظة ، ومدى سيطرة الدولة الإسلامية عليها . وانزواء المنافقين إلا فيما يدبرونه من كيد خفي ، لا يقدرون على الظهور ؛ إلا وهم مهددون خائفون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { لّئِن لّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ ثُمّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاّ قَلِيلاً * مّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوَاْ أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً } .

يقول تعالى ذكره : لئن لم ينته أهل النفاق ، الذين يستسرّون الكفر ، ويظهرون الإيمان وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني : ريبة من شهوة الزنا وحبّ الفجور . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا أبو عبد الصمد ، قال : حدثنا مالك بن دينار ، عن عكرِمة ، في قوله : لَئِنْ لَمْ يَنْتهِ المُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال : هم الزناة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال : شهوة الزنا .

قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا أبو صالح التمار ، قال : سمعت عكرِمة في قوله : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال : شهوة الزنا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة عمن حدثه ، عن أبي صالح وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قال : الزناة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ . . . . الاَية ، قال : هؤلاء صنف من المنافقين وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أصحاب الزنا ، قال : أهل الزنا من أهل النفاق الذين يطلبون النساء فيبتغون الزنا . وقرأ : فَلا تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ قال : والمنافقون أصناف عشرة في براءة ، قال : فالذين في قلوبهم مرض صنف منهم مرض من أمر النساء .

وقوله : وَالمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ يقول : وأهل الإرجاف في المدينة بالكذب والباطل .

وكان إرجافهم فيما ذُكر كالذي :

حدثني بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ . . . . الاَية ، الإرجاف : الكذب الذي كان نافقه أهل النفاق ، وكانوا يقولون : أتاكم عدد وعدّة . وذكر لنا أن المنافقين أرادوا أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق ، فأوعدهم الله بهذه الاَية ، قوله : لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ . . . . الاَية فلما أوعدهم الله بهذه الاَية كتموا ذلك وأسرّوه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَالمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ هم أهل النفاق أيضا الذين يرجفون برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين .

وقوله : لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ يقول : لنسلطنك عليهم ولنحرّشنك بهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ يقول : لنسلطنك عليهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَنُغْرِيَنّكَ بِهِمْ : أي لنحملنك عليهم لنحرشنك بهم .

قوله : ثُمّ لا يُجاوِرونكَ فِيها إلاّ قَلِيلاً يقول : ثم لننفينهم عن مدينتك فلا يسكنون معك فيها إلا قليلاً من المدة والأجل ، حتى تنفيهم عنها ، فنخرجهم منها ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ثُمّ لا يُجاوِرونَكَ فِيها إلاّ قَلِيلاً أي بالمدينة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

{ لئن لم ينته المنافقون } عن نفاقهم . { والذين في قلوبهم مرض } ضعف إيمان وقلة ثبات عليه ، أو فجور عن تزلزلهم في الدين أو فجورهم . { والمرجفون في المدينة } يرجفون أخبار السوء عن سرايا المسلمين ونحوها من إرجافهم ، وأصله التحريك من الرجفة وهي الزلزلة سمي بها الأخبار الكاذب لكونه متزلزلا غير ثابت . { لنغرينك بهم } لنأمرنك بقتالهم وإجلائهم ، أو ما يضطرهم إلى طلب الجلاء . { ثم لا يجاورونك } عطف على { لنغرينك } ، و { ثم } للدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول اعظم ما يصيبهم . { فيها } في المدينة . { إلا قليلا } زمانا أو جوارا قليلا .