وتمضي خطوة أخرى في هذه المشاعر الطيبة :
( وما أبريء نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، إن ربي غفور رحيم ) . .
إنها امراة أحبت . امرأة تكبر الرجل الذي تعلقت به في جاهليتها وإسلامها ، فهي لا تملك إلا أن تظل معلقة بكلمة منه ، أو خاطرة ارتياح تحس أنها صدرت عنه !
وهكذا يتجلى العنصر الإنساني في القصة ، التي لم تسق لمجرد الفن ، إنما سيقت للعبرة والعظة . وسيقت لتعالج قضية العقيدة والدعوة . ويرسم التعبير الفني فيها خفقات المشاعر وانتفاضات الوجدان رسما رشيقا رفيقا شفيفا . في واقعة كاملة تتناسق فيها جميع المؤثرات وجميع الواقعيات في مثل هذه النفوس ، في ظل بيئتها ومؤثرات هذه البيئة كذلك .
وإلى هنا تنتهي محنة السجن ومحنة الاتهام ، وتسير الحياة بيوسف رخاء ، الاختبار فيه بالنعمة لا بالشدة .
وإلى هنا نقف في هذا الجزء من الظلال ، وتتابع القصة سيرها في الجزء التالي إن شاء الله .
انتهى الجزء الثاني عشر و يليه الجزء الثالث عشر مبدوءاً بقوله تعالى : وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي . . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أُبَرّىءُ نَفْسِيَ إِنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسّوَءِ إِلاّ مَا رَحِمَ رَبّيَ إِنّ رَبّي غَفُورٌ رّحِيمٌ } .
يقول يوسف صلوات الله عليه : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي من الخطأ والزلل فأزكيَها . إنّ النّفْسَ لأمّارَةٌ بالسّوءِ يقول : إن النفوس نفوس العباد تأمرهم بما تهواه وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله إلاّ ما رَحِمَ رَبّي يقول : إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعته فيما تأمره به من السوء . إنّ رَبّي غَفُورٌ رَحِيمٌ . و«ما » في قوله : إلاّ ما رَحِمَ رَبّي في موضع نصب ، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله ، كقوله : ولاَ هُمْ يُنْقَذُونَ إلاّ رَحْمَةً مِنّا بمعنى : إلا أن يُرحموا ، وأَنْ إذا كانت في معنى المصدر تضارع «ما » .
ويعني بقوله : إنّ رَبّي غَفُورٌ رَحيمٌ : أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه ، بتركه عقوبته عليها وفضيحته بها ، رحيم به بعد توبته أن يعذّبه عليها . وذُكر أن يوسف قال هذا القول من أجل أن يوسف لما قال : ذلكَ ليَعْلَمَ أنْي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال مَلَك من الملائكة : ولا يوم هممت بها ؟ فقال يوسف حينئذٍ : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ . وقد قيل : إن القائل ليوسف : ولا يومَ هَمَمْتَ بها فحللت سراويلك ؟ هو امرأة العزيز ، فأجابها يوسف بهذا الجواب . وقيل : إن يوسف قال ذلك ابتداء من قِبَل نفسه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما جمع الملك النسوة ، فسألهن : هل رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الحَقّ . . . الآية ، قال يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال فقال له جَبْرَئيل : ولا يوم هممت به هممت ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سمِاك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما جمع الملك النسوة ، قال لهن : أنتُن راودتنّ يوسف عن نفسه ؟ ثم ذكر سائر الحديث ، مثل حديث أبي كُريب ، عن وكيع .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما جمع الملك النسوة ، قال : أنتنّ راودتنَ يوسف عن نفسه ؟ ثم ذكر نحوه غير أنه قال : فغمزه جبرائيل ، فقال : ولا حين هممتَ بها ؟ فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما قال يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال جبرائيل ، أو ملك : ولا يومَ همَمتَ بما هممت به ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير بنحوه ، إلا أنه قال : قال له الملَك : ولا حين هممت بها ؟ ولم يقل : أو جبرئيل ، ثم ذكر سائر الحديث مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن بشر وأحمد بن بشير ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبير : ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال : فقال له الملك ، أو جبريل : ولا حين هممت بها ؟ فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سِنان ، عن ابن أبي الهذيل ، قال : لما قال يوسف : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال له جبرئيل : ولا يوم هممت بما هممت به ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، بمثله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عمرو ، قال : أخبرنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، مثل حديث ابن وكيع ، عن محمد بن بشر وأحمد بن بشير سواء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، وزيد بن حباب ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال له جبرئيل : اذكر همك فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن الحسن : ذلكَ لِيَعْلَمُ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال جبرئيل : يا يوسف اذكر همك قال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخنُهُ بالغَيْب قال : هذا قول يوسف ، قال : فقال له جبرئيل : ولا حين حللت سراويلك ؟ قال : فقال يوسف وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأمّارةٌ بالسوءِ . . . الآية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، بنحوه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ ذكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف ، قال له : اذكر ما هممت به قال نبيّ الله : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أن المَلَك قال له حين قال ما قال : أتذكر هَمّك ؟ فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ إلاّ ما رَحِمَ رَبّي .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال الملك ، وطعن في جنبه : يا يوسف ، ولا حين هممت ؟ قال : فقال : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي . ذكر من قال قائل ذلك له المرأة :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ قال : قاله يوسف حين جيء به ليُعْلِم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله وأنّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ فقالت امرأة العزيز : يا يوسف ، ولا يوم حللت سراويلك ؟ فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسِي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ . ذكر من قال قائل ذلك يوسف لنفسه ، من غير تذكير مذكّر ذكّره ولكنه تذكر ما كان سَلَف منه في ذلك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عَمّي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ذلكَ لِيَعْلَمَ أنّي لَمْ أخُنْهُ بالغَيْبِ وأنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائِنِينَ هو قول يوسف لمليكهِ حين أراه الله عذره ، فذكّره أنه قد همّ بها وهمّت به ، فقال يوسف : وَما أُبَرّىءُ نَفْسي إنّ النّفْسَ لأَمّارَةٌ بالسّوءِ . . . الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.