إن النص عام في حذر المنافقين أن ينزل اللّه قرآناً يكشف خبيئتهم ، ويتحدث عما في قلوبهم ، فينكشف للناس ما يخبئونه . وقد وردت عدة روايات عن حوادث معينة في سبب نزول هذه الآيات .
قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء [ يقصدون قراء القرآن ] فرفع ذلك إلى رسول اللّه - [ ص ] - فجاء إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وآله وسلم - وقد ارتحل وركب ناقته ؛ فقال : يا رسول اللّه إنما كنا نخوض ونلعب ، فقال : أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ? إلى قوله : ( كانوا مجرمين ) وإن رجليه لتسفعان الحجارة ، وما يلتفت إليه رسول اللّه - [ ص ] - وهو متعلق بسيف رسول اللّه - صلى اللّه عليه وآله وسلم .
وقال محمد بن إسحاق : وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد بن عمرو بن عوف ، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشي بن حمير يسيرون مع رسول اللّه - [ ص ] - وهو منطلق إلى تبوك ؛ فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً ? واللّه لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال . . إرجافاً وترهيباً للمؤمنين . فقال مخشي بن حمير : واللّه لوددت أن أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، وأننا ننجوا أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه . وقال رسول اللّه - [ ص ] - فيما بلغني لعمار بن ياسر " أدرك القوم فإنهم قد احترقوا ، فاسألهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى قلتم كذا وكذا " فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول اللّه - [ ص ] - يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت ، ورسول اللّه - [ ص ] - واقف على راحلته ، فجعل يقول وهو آخذ بحقبها : يا رسول اللّه إنما كنا نخوض ونلعب . فقال مخشي بن حمير : يا رسول اللّه قعد بي اسمي واسم أبي . فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مخشي بن حمير ، فتسمى عبد الرحمن ، وسأل اللّه أن يقتل شهيدا لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال : " بينما رسول اللّه - [ ص ] - في غزوته إلى تبوك ، وبين يديه أناس من المنافقين فقالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح له قصور الشام وحصونها ? هيهات هيهات . فأطلع اللّه نبيه - [ ص ] - على ذلك . فقال النبي - [ ص ] - " احبسوا على هؤلاء الركب " فأتاهم فقال : " قلتم كذا . قلتم كذا " . قالوا : يا نبي اللّه إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل اللّه فيهم ما تسمعون .
إنما كنا نخوض ونلعب . . كأن هذه المسائل الكبرى التي يتصدون لها ، وهي ذات صلة وثيقة لأصل بأصل العقيدة . . كأن هذه المسائل مما يخاض فيه ويلعب . ( قل : أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ? ) .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } .
يقول تعالى جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب ، ليقولنّ لك : إنما قلنا ذلك لعبا ، وكنا نخوض في حديث لعبا وهزوا . يقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزءون .
وكان ابن إسحاق يقول : الذي قال هذه المقالة كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي قال هذه المقالة فيما بلغني وديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف .
حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث ، قال : ثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم : أن رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك : ما لقرّائنا هؤلاء أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنةً وأجبننا عند اللقاء فقال له عوف : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه ، فقال زيد : قال عبد الله بن عمر : فنظرت إليه متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنكبه الحجارة ، يقول : إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم : أبا للّهِ وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ما يزيده .
قال : ثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس ، ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن ، قال عبد الله بن عمر : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنكبه الحجارة ، وهو يقول : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أباللّهِ وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة ، في قوله : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . . . . إلى قوله : بأنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ قال : فكان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول : اللهمّ إني أسمع آية أنا أُعْنَى بها ، تقشعرّ منها الجلود ، وتَجِلُ منها القلوب ، اللهمّ فاجعل وفاتي قتلاً في سبيلك ، لا يقول أحد : أنا غسلت ، أنا كفنت ، أنا دفنت قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما من أحد من المسلمين إلا وجد غيره .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . . . . الآية ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك ، وبين يديه ناس من المنافقين ، فقال : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ؟ هيهات هيهات فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «احْبِسُوا عَليّ هَؤلاءِ الرّكْبَ » فأتاهم فقال : «قُلْتُمْ كَذَا ؟ قُلْتُمْ كَذَا ؟ » قالوا : يا نبيّ الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله تبارك وتعالى فيها ما تسمعون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قال : بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ورَكْبٌ من المنافقين يسيرون بين يديه ، فقالوا : يظنّ هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ، فقال : «عليّ بِهَؤلاءِ النّفَرِ » فدعاهم فقال : «قُلْتُمْ كَذَا وكَذَا ؟ » فحلفوا : ما كنا إلا نخوض ونلعب .
حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب وغيره ، قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب فقال : أبا للّهِ وآياتِهِ ورَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ . . . . إلى قوله : مُجْرِمِينَ وإن رجليه لتسفعان بالحجارة ، وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قال : قال رجل من المنافقين : يحدّثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، وما يدريه ما الغيب
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.