في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} (187)

180

ثم يمضي السياق القرآني يفضح موقف أهل الكتاب في مخالفتهم عن عهد الله معهم يوم آتاهم الكتاب . ونبذهم له . وكتمانهم لما ائتمنهم عليه منه ، حين يسألون عنه :

( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب : لتبيننه للناس ولا تكتمونه . فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنا قليلا . فبئس ما يشترون ) !

وقد تضمن سياق السورة الكثير من أفاعيل أهل الكتاب وأقاويلهم - وبخاصة اليهود - وأبرز هذه الأفاعيل والأقاويل كتمانهم للحق الذي يعلمونه ، ولبسه بالباطل ، لإحداث البلبلة والاضطراب في مفهوم الدين ، وفي صحة الإسلام ، وفي وحدة الأسس والمبادىء بينه وبين الأديان قبله ، وفي تصديقه لها وتصديقها له . . وكانت التوراة بين أيديهم يعلمون منها أن ما جاء به محمد حق ؛ وأنه من ذات المصدر الذي جاءتهم منه التوارة . .

فالآن يبدو هذا الموقف منهم بشعا غاية البشاعة ؛ حين ينكشف أيضا أن الله - سبحانه - قد أخذ عليهم العهد - وهو يعطيهم الكتاب - أن يبينوه للناس ، ويبلغوه ، ولا يكتموه أو يخفوه . وأنهم نبذوا هذا العهد مع الله - والتعبير يجسم إهمالهم وإخلافهم للعهد ؛ فيمثله في حركة :

( فنبذوه وراء ظهورهم ) !

وأنهم فعلوا هذه الفعلة الفاضحة ، ابتغاء ثمن قليل :

( واشتروا به ثمنا قليلا ) .

هو عرض من أعراض هذه الأرض ، ومصلحة شخصية للأحبار أو قومية لليهود ! وكله ثمن قليل ، ولو كان ملك الأرض كلها طوال الدهور ! فما أقل هذا الثمن ثمنا لعهد الله ! وما أقل هذا المتاع متاعا حين يقاس بما عند الله !

( فبئس ما يشترون ) !