فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} (187)

قوله : { وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق الذين أُوتُوا الكتاب } هذه الآية توبيخ لأهل الكتاب وهم : اليهود والنصارى ، أو اليهود فقط على الخلاف في ذلك ، والظاهر أن المراد بأهل الكتاب : كل من آتاه الله علم شيء من الكتاب ، أيُّ كتاب كان ، كما يفيده التعريف الجنسي في الكتاب .

قال الحسن ، وقتادة : إن الآية عامة لكل عالم ، وكذا قال محمد بن كعب ، ويدل على ذلك قول أبي هريرة : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم بشيء ، ثم تلا هذه الآية ، والضمير في قوله : { لَتُبَيّننَّهُ } راجع إلى الكتاب ، وقيل : راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يتقدّم له ذكر ؛ لأن الله أخذ على اليهود والنصارى أن يبينوا نبوته للناس ، ولا يكتموها { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ } . وقرأ أبو عمرو ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وأهل المدينة : «ليبيننه » بالياء التحتية ، وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية . وقرأ ابن عباس : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبيننه " ويشكل على هذه القراءة قوله : { فَنَبَذُوهُ } فلا بد من أن يكون فاعله الناس . وفي قراءة ابن مسعود : «لتبينونه » والنبذ : الطرح ، وقد تقدّم في البقرة : { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } مبالغة في النبذ ، والطرح ، وقد تقدّم أيضاً معنى قوله : { واشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } والضمير عائد إلى الكتاب الذي أمروا ببيانه ، ونُهوا عن كتمانه ، وقوله : { ثَمَناً قَلِيلاً } أي : حقيراً يسيراً من حطام الدنيا ، وأعراضها ، قوله : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } " ما " نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ، ويشترون صفة ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي : بئس شيئاً يشترونه بذلك الثمن .

/خ188