السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} (187)

{ و } اذكر { إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } أي : العهد عليهم في التوراة أي : على علمائهم { ليبيننه } أي : الكتاب { للناس ولا يكتمونه } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة بالياء في الفعلين على الغيبة ؛ لأنّ أهل الكتاب المخاطبين بذلك غيب ، والباقون بالتاء على الخطاب حكاية لمخاطبتهم { فنبذوه } أي : طرحوا الميثاق { وراء ظهورهم } أي : لم يعملوا به ولم يلتفتوا إليه ونقيض هذا جعله نصب عينيه { واشتروا به } أي : أخذوا بدله { ثمناً قليلاً } من حطام الدنيا وأعراضها من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوتها عليهم وقوله تعالى : { فبئس ما يشترون } العائد محذوف تقديره يشترونه ، قال قتادة رضي الله تعالى عنه : ( هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم فمن علم شيئاً فليعلمه وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة ) ، وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدّثتكم بشيء ثم تلا هذه الآية وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) وقال أبو الحسن بن عمارة رضي الله تعالى عنه : أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت : إن رأيت أن تحدّثني فقال : أما علمت أني قد تركت الحديث فقلت : إمّا أن تحدّثني وإمّا أن أحدّثك فقال : حدّثني فقلت : حدّثني الحكم بن عيينة عن يحيى بن الخراز قال : سمعت عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يقول : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا قال : فحدّثني أربعين حديثاً .