في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (120)

111

ثم يمضي السياق بعد هذا الهتاف مستنكراً مبدأ التخلف عن رسول اللّه :

( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) .

وفي التعبير تأنيب خفي . فما يؤنب أحد يصاحب رسول اللّه - [ ص ] بأوجع من أن يقال عنه : إنه يرغب بنفسه عن نفس رسول اللّه ، وهو معه ، وهو صاحبه !

وإنها لإشارة تلحق أصحاب هذه الدعوة في كل جيل . فما كان لمؤمن أن يرغب بنفسه عن مثل ما تعرضت له نفس رسول الله في سبيل هذه الدعوة ؛ وهو يزعم أنه صاحب دعوة ؛ وأنه يتأسى فيها برسول الله [ ص ] إنه الواجب الذي يوجبه الحياء من رسول اللّه - فضلاً على الأمر الصادر من اللّه ومع هذا فالجزاء عليه ما أسخاه !

ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل اللّه ، ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ، ولا ينالون من عدو نيلاً ، إلا كتب لهم به عمل صالح ، إن اللّه لا يضيع أجر المحسنين . ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ، ولا يقطعون وادياً ، إلا كتب لهم ، ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون . .

إنه على الظمأ جزاء ، وعلى النصب جزاء ، وعلى الجوع جزاء . وعلى كل موطئ قدم يغيظ الكفار جزاء . وعلى كل نيل من العدو جزاء . يكتب به للمجاهد عمل صالح ، ويحسب به من المحسنين الذين لا يضيع لهم اللّه أجراً .